السبت، 22 مارس 2025

سعيد المسكيني(???-588)

سعيد بن أحمد بن إسماعيل المسكيني، صاحب حصن شواحط-بضم الشين المعجمة، وفتح الواو، ثم ألف، ثم حاء مكسورة، ثم طاء مهملتين-حصن بالقرب من قرية الملحمة، وهو لعرب يعرفون ببني مسكين، بيت رئاسة متأثلة، كانوا يملكون غالب السحول ونواحي من بعدان، وكان شيخ الحصن محمد بن أحمد بن إسماعيل عم صاحب الترجمة، فلما توفي .. خلفه أخوه أحمد، فلما توفي .. خلفه ابنه سعيد المذكور.



وكان سعيد خيرا دينا.

قرأ كتاب «النجم» بمكة على مصنفه أو على رجل على المصنف.

وعن سعيد هذا أخذه جماعة من أكابر الفقهاء باليمن.

ثم إن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب لزم الشيخ سعيد المذكور في سنة أربع وثمانين حتى سلم إليه الحصن.

ثم توفي في ذي القعدة من سنة ثمان وثمانين وخمس مائة، والله سبحانه أعلم.

الأحد، 16 فبراير 2025

أبو المرهف النميري(501-588)

أبو المرهف نصر بن منصور بن الحسن بن جوشن بن منصور بن حميد (٢) بن أثال بن ورد (٣) بن عطاف بن بشر بن جندل بن عبيد الراعي بن الحصين بن معاوية بن جندل بن قطن بن ربيعة بن عبد الله بن الحارث بن نمير بن عامر ابن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، النميري، الضرير الشاعر المشهور؛ قدم بغداد في صباه، وسكنها إلى حين وفاته، وحفظ القرآن المجيد، وتفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، وسمع الحديث من القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماط وأبي الفضل محمد بن ناصر وغيرهم. وقرأ الأدب على أبي منصور ابن الجواليقي، وقال الشعر، ومدح الخلفاء والوزراء والأكابر، وحدث، وكان زاهداً ورعاً، حسن المقاصد في الشعر، له ديوان شعر.
وذكره العماد الأصبهاني في كتاب " الخريدة " وذكر شيئا ً من شعره، وأورد نسبه على هذه الصورة وقال: هو الذي أملاه علي.
وعبيد الراعي المذكور في عمود نسبه هو الشعر المشهور، صاحب الديوان الشعر، وكان بينه وبين جرير مهاجا
وكان أبو المرهف المذكور قد كف بصره بالجدري وعمره أربه عشرة سنة، وذكر له العماد في " الخريدة " هذا المقطوع من شعره، وهو:
ترى يتألف الشمل الصديع ... وآمن من زماني ما يروع
وتأنس بعد وحشتنا بنجدٍ ... منازلنا القديمة والربوع
ذكرت بأيمن العلمين عصراً ... مضى والشمل ملتئمٌ جميع
فلم أملك لدمعي رد غربٍ ... وعند الشوق تعصيك الدموع
ينازعني إلى خنساء قلبي ... ودون لقائها بلدٌ شسوع
وأخوف ما أخاف على فؤادي ... إذا ما أنجد البرق اللموع

لقد حملت من طول التنائي ... عن الأحباب ما لا أستطيع 
وشعره فيه رقة وجزالة، وكان ببغداد كثير الانقطاع إلى الوزير عون الدين ابن هبيرة - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وله فيه مدائح. وكانت ولادته يوم الثلاثاء بعد العصر، ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة بالرقة. وتوفي يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن بباب حرب، رحمه الله تعالى .

والنميري: بضم النون وفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء، هذه النسبة إلى نمير بن عامر المذكور في عمود النسب في أول الترجمة، والباقي معروف.

نصر الخبزأرزي

أبو القاسم نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون البصري، المعروف بالخبزأرزي الشاعر المشهور؛ كان أمياً لا يتهجى ولا يكتب، وكان يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان، وكان ينشد أشعاره المقصورة على الغزل والناس يزدحمون عليه ويتطرفون باستماع شعره ويتعجبون من حاله وأمره، وكان أبو الحسين محمد بن محمد المعروف بابن لنكك، البصري الشاعر المشهور - مع علو قدره عندهم - ينتاب دكانه ليسمع شعره، واعتنى به، وجمع له ديواناً، وكان نصر المذكور قد وصل إلى بغداد وأقام بها دهراً طويلاً.



وذكره الخطيب في تاريخه وقال: قرأ عليه ديوانه، وروى عنه مقطعات من شعره المعافى بن زكريا الجريري، وأحمد بن منصور بن محمد بن حاتم النوشري، وعد جماعة رووا عنه.

وذكره الثعالبي في كتاب " اليتيمة " وأورد له مقاطيع، فمن ذلك قوله:

خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولىً تمشى إلى عبد أتى زائراً من غير وعد وقال لي: ... أجلك عن تعليق قلبك بالوجد



فما زال نجم الوصل بيني وبينه ... يدور بأفلاك السعادة والسعد

فطوراً على تقبيل نرجس ناظر ... وطوراً على تعضيض تفاحة الخد وأورد له أيضاً:

ألم يكفني ما نالني من هواكم ... إلى أن طففتم بين لاه وضاحك

شماتتكم بي فوق ما قد أصابني ... وما بي دخول النار بي طنز مالك وذكر له أيضاً :

كم أناس وفوا لنا حين غابوا ... وأناس جفوا وهم حضار

عرضوا ثم أعرضوا، واستمالوا ... ثم مالوا، وجاوروا ثم جاروا

لا تلمهم على التجني فلو لم ... يتجنوا لم يحسن الاعتذار

ومن شعره أيضاً:

وكان الصديق يزور الصديق ... لشرب المدام وعزف القيان

فصار الصديق يزور الصديق ... لبث الهموم وشكوى الزمان

ومن شعره أيضاً:

كم أقاسي لديك قالاً وقيلا ... وعدات ٍ تترى ومطلاً طويلا

جمعةٌ تنقضي وشهر يولي ... وأمانيك بكرة وأصيلا

إن يفتني منك الجميل من الفع ... ل تعاطيت عنك صبراً جميلا

والهوى يستزيد حالاً فحالاً ... وكذا ينسلي قليلاً قليلا

ويك لا تأمنن صروف الليالي ... إنها تترك العزيز ذليلا

فكأني بحسن وجهك قد صاح ... ت به اللحية الرحيل الرحيلا

فتبدلت حين بدلت بالنو ... ر ظلاماً، وساء ذاك بديلا

فكأن لم تكن قضيباً رطيباً ... وكأن لم تكن كثيباً مهيلا

عندها يشمت الذي لم تصله ... ويكون الذي وصلت خليلا وله أيضاً:

رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النظر

فلم أدر من حيرتي فيهما ... هلال الدجى من (١) هلال البشر

ولولا التورد في الوجنتين ... وما راعني من سواد الشعر

لكنت أظن الهلال الحبيب ... وكنت أظن الحبيب القمر وقال أحمد بن منصور بن محمد بن حاتم الموشري: أنشدنا أبو القاسم نصر ابن أحمد الخبرأرزي لنفسه:

بات الحبيب منامي ... والسكر يصبغ وجنتيه

ثم اغتدى وقد ابتداء ... صبغ الخمار بمقلتيه

وهبت له عيني الكرى ... وتعوضت نظراً إليه

شكراً لإحسان الزما ... ن كما يساعدني عليه وذكر الخطيب في " تاريخ بغداد " ما مثاله: حكى أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني النصري، قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر

وأبي الحسين ابن لنكك  وأبي عبد الله المفجع وأبي الحسن  السباك، في بطالة عيد، وأنا يومئذ صبي أصحبهم، فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبرأرزي، وهو جالس يخبر على طابقه، فجلست الجماعة عنده يهنونه بالعيد ويتعرفون خبره، وهو يوقد السعف تحت الطابق، فزاد في الوقود فدخنهم، فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان، فقال نصر بن أحمد لأبي الحسن ابن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين فقال له أبو الحسين: إذا اتسخت ثيابي، وكانت ثيابه يومئذ  جدداً على أنقى ما يكون من البياض للتجمل بها في العيد، فمشينا في سكة بني سمرة، حتى انتهينا إلى دار أبي أحمد ابن المثنى، فجلس أبو الحسين ابن لبكك، قال: يا أصحابنا إن نصراً لا يخلي هذا المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله فيه، ويجب أن نبدأه قبل أن يبدأنا، واستدعى دواة وكتب:

لنصر في فؤادي فرط حبٍ ... أنيف به على كل الصحاب

أتيناه فبخرنا بخوراً ... من السعف المدخن للثياب

فقمت مبادراً وظننت نصراً ... أراد بذاك طردي أو ذهابي

فقال: متى أراك أبا حسين ... فقلت له: إذا اتسخت ثيابي وأنفذ الأبيات إلى نصر، فأملى جوابها، فقرأناه فإذا هو قد أجاب:

منحت أبا الحسين صميم ودي ... فداعبني بألفاظ عذاب

أتى وثيابه كقتير شيب ... فعدن له كريعان الشباب

ظننت جلوسه عندي لعرس ... فجدت له بتمسيك الثياب

فقلت: متى أراك أبا حسين ... فجوابني: إذا اتسخت ثيابي

فإن كان الترفه فيه خير ... فلم يكنى الوصي أبا تراب

وحكى أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم الخالديان الشاعران المشهوران في كتاب " الهدايا والتحف "  أن الخبرأرزي أهدى إلى ابن يزداد والي البصرة فصاً وكتب معه:

أهديت ما لو أن أضعافه ... مطرحٌ عندك ما بانا

كمثل بلقيس التي لم يبن ... إهداؤها عند سليمانا

هذا امتحانٌ لك إن ترضه ... بان لنا أنك رضانا والشيء بالشيء يذكر - وجدت في هذا الكتاب نادرة طريقة فأحببت ذكرها، وهي (٢) : كان بأصبهان رجل حسن النعمة واسع النفس كامل المروءة يقال له سماك بن النعمان، وكان يهوى مغنية من أهل أصبهان لها قدر ومعنى تعرف بأم عمرو. فلإفراط حبه إياها وصبابته بها (٣) وهبها عدةً من ضياعه، وكتب عليه بذلك كتباً، وحمل الكتب إليها على بغل، فشاع الخبر بذلك، وتحث الناس به واستعظموه؛ وكان بأصبهان رجل متخلف بين الركاكة يهوى مغنية أخرى فلما اتصل به ذلك ظن بجهله وقلة عقله أن سماكاً أهدى إلى أم عمرو جلوداً بيضاً لا كتابة فيها، وأن هذا من الهدايا التي تستحسن ويجل موقعها عند من تهدى إليه، فاتباع جلوداً كثيرة، وحملها على بغلين لتكون هديته ضعف هدية سماك، وأنفذها إلى التي يحب، فلما وصلت الجلود إليها ووقفت على الخبر فيها تغظيت عليه، وكتبت إليه رقعة تشتمه وتحلف أنها لا تكلمه أبداً، وسألت بعض الشعراء أن يعمل أبياتاً في هذا المعنى لتودعها الرقعة، ففعل، وكانت الأبيات:

لا عاد طوعك من عصاكا ... وحرمت من وصلٍ مناكا

فلقد فضحت العاشقي ... ن بقبح ما فعلت يداكا

أرأيت من يهدي الجلو ... د إلى عشيقته سواكا

وأظن أنك رمت أن ... تحكي بفعلك ذا سماكا

ذاك الذي أهدى الضيا ... ع لأم عمرو والصكاكا

فبعثت منتنةً كأن ... ك قد مسحت بهن فاكا

من لي بقربك يا رقي ... ع ولست أهوى أن أراكا

لكن لعلي أن أقط ... ع ما بعثت على قفاكا ونقلت من هذا الكتاب أيضاً (١) أن اللبادي الشاعر خرج من بعض مدن أذربيجان يريد أخرى، وتحته مهر له رائع، وكانت السنة مجدبة، فضمه الطريق وغلاماً حدثاً على حمار له، قال: فحادثته فرأيته أديباً راوية للشعر، خفيف الروح حاضر الجواب جيدة الحجة، فسرنا بقية يومنا، فأمسيا إلى خان على ظهر الطريق فطلبت من صاحبه شيئاً نأكله، فامتنع  أن يكون عنده شيء، فرفقت به إلى أن جاءني برغيفين، فأخذت واحداً ودفعت إلى ذلك الغلام الآخر، وكان غمي على المهر أن يبيت بغير علف أعظم من غمي على نفسي، فسألت صاحب الخان عن الشعير فقال: ما أقدر منه على حبة واحدة، فقلت: فاطلب لي، وجعلت له جعيلة على ذلك، فمضى وجاءني بعد طويل وقال: قد وجدت مكوكين عند رجل حلف بالطلاق أنه لا ينقصهما عن مائة درهم، فقلت: ما بعد يمين الطلاق كلام، فدفعت إليه خمسين درهم، فجاءني بمكوك، فعلقته على دابتي وجلست أحادث الفتى، وحماره واقف بغير علف، فأطرق ملياً ثم قال: تسمع، أيدك الله، أبياتاً حضرت الساعة فقلت: هاتها، فأنشد:

يا سيد شعري نفياية شعركا ... فلذاك نظمي ما يقوم بنثركا

وقد انبسطت إليك في إنشاد ما ... هو في الحقيقة قطرةمن بحركا

آنستني وسررتني وبررتني ... وجعلت أمري من مقدم أمركا

وأريد أذكر حاجة إن تقضها ... أك عبد مدحك ما حييت وشكركا

أنا في ضيافتك العيشة ها هنا ... فاجعل حماري في ضيافة مهركا فضحكت واعتذرت إليه من إغفالي أمر حماره، وابتعت المكوك الآخر بخمسين درهماً، ودفعته إليه.

وبالجملة فقد خرجنا عن المقصود.

وأخبار نصر المذكور ونوادره كثيرة. وتوفي سنة عشرة وثلثمائة، رحمه الله تعالى، وتاريخ وفاته فيه نظر، لأن الخطيب ذكر في تاريخه أن أحمد ابن منصور النوشري المذكور سمع منه سنة خمس وعشرين وثلثمائة [لكن نقلت تاريخ وفاته على هذه الصورة من تاريخ ابن أزرق الفارقي، والله أعلم] .

والخبرأرزي: بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي وبعدها همزة ثم راء ثم زاي؛ وفتح الهمزة وضمها وتشديد الزاي وتخفيفها في الأرز يختلف باختلاف اللغات في هذه الكلمة، وفيها ست لغات: الواحدة بضم الهمزة والراء وتشديد الزاي، والأخرى بفتح الهمزة والباقي مثل الأولى، والثالثة أرز: بضم الهمزة وسكون الراء وتخفيف الزاي، والرابعة مثل الثالثة لكن الراء مضمومة، والخامسة رز، بضم الراء وتشديد الزاي، والسادسة رنز، بضم الراء وسكون النون وتخفيف الزاي؛ وإنما نسب نصر المذكور هذه النسبة لأنه كان يتعاطى هذه الحرفة كما تقدم ذكره في أول هذه الترجمة.

ابن لنكك: بفتح اللام وسكون النون وكافين متواليين، وهو لفظ أعجمي، معناه بالعربي أعيرج، تصغير أعرج، لأن كلمة لنك معناها أعرج، وعادة العجم إذا صغروا اسماً ألحقوا في آخره كافاً.

ومربد البصرة: بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وبعدها دال مهملة، وهو اسم موضع بالبصرة مشهور، وهو في الأصل اسم لكل مكان تحبس فيه الإبل وغيرها، ثم صار علماً على الموضع المذكور.



نزار العبيدي(365-386)

أبو المنصور نزار، الملقب العزيز بالله، ابن المعز بن منصور بن القائم بن المهدي سيدي، صاحب مصر وبلاد الغرب؛ قد تقدم ذكر والده وأجداده وولده وأحفاده. ولي العهد بمصر يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلثمائة واستقل بالأمر بعد وفاة أبيه، وكان يوم الجمعة حادي عشر الشهر المذكور - وفيه الخلاف المذكور في ترجمته - وسترت وفاة أبيه وسلم عليه بالخلافة. وكان كريماً شجاعاً حسن العفو عند المقدرة، وقصته مع أفتكين التركي غلام معز الدولة مشهورة، وعفا عنه لما ظفر به، وكان قد غرم في محاربته مالاً جزيلاً، ولم يؤاخذه بما صدر منه، - وقد سبق في ترجمة عضد الدولة بن بويه المقدم ذكره في حرف الفاء طرف من خبره فلا حاجة إلى إعادته - وهي قضية تدل على حلمه وحسن عفوه.

وذكر الأمير المختار المعروف بالمسبحي أنه الذي اختلط أساس الجامع بالقاهرة مما يلي باب الفتوح، وحفر وبني، وبدئ بعمارته سنة ثمانين وثلثمائة في شهر رمضان. ثم قال المسبحي أيضاً: وفي أيامه بني قصر بالقاهرة الذي لم يبن مثله في شرق ولا غرب، وقصر الذهب وجامع القرافة والقصور بعين شمس. وكان أسمر أصهب الشعر أعين أشهل العين عريض المنكبين حسن الخلق قريباً من الناس لا يؤثر سفك الدماء، بصيراً بالخيل والجارح من الطير، محباً للصيد مغرى به وبصيد السباع (٣) ويعرف الجوهر والبز، وكان أديباً فاضلاً.

ذكره أبو منصور الثعالبي في كتاب " يتيمة الدهر " وأورد له شعراً قال في بعض الأعياد وقد وافق موت بعض أولاده وعقد عليه المآتم، وهو:

نحن بنو المصطفى ذوو محن ... يجرعها في الحياة كاظمنا

عجيبة في الأنام محنتنا ... أولنا مبتلى وخاتمنا

يفرح هذا الورى بعيدهم ... طراً وأعيادنا مآتمنا ثم قال بعد فصل طويل: وسمعت الشيخ أبا الطيب يحكي أن المرواني صاحب الأندلس كتب إليه نزار صاحب مصر كتاباً يسبه فيه ويهجوه، فكتب إليه " أما بعد، فإنك قد عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك، والسلام " فاشتد على نزار وأفحمه عن الجواب.



وذكر أبو الحسن الروحي في كتاب " تحفة الظرفاء في تاريخ الخلفاء " (٦) أن هذه الواقعة كانت بين الحكم المستنصر بالله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله، وهو المرواني صاحب الأندلس وبين العزيز المذكور، وأن المستنصر كتب إلى العزيز يسبه ويهجوه، فكتب إليه العزيز هذه الكلمات (١) والله أعلم بالصواب.



وقد تقدم في ترجمة جده المهدي (٢) عبيد الله طرف من أخبار نسبهم والطعن فيه، وأكثر أهل العلم بالنسب لا يصححونه، وقد تقدم في ترجمة الشريف أبي محمد عبد الله بن طباطبا ما دار بينه وبين المعز والد هذا العزيز في أمر النسب وما أجاب به المعز، وصار هذا كالمستفيض بين الناس. وفي مبادي ولاية العزيز المذكور صعد المنبر يوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها مكتوب:

إنا سمعنا نسباً منكراً ... يتلى على المنبر في الجامع

إن كنت فيما تدعي صادقاً ... فاذكر أباً بعد الأب الرابع

وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع

أو لا دع الأنساب مستورةً ... وادخل بنا في النسب الواسع

فإن انساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع وإنما قال: " فانسب لنا نفسك كالطائع " لأن هذه القضية جرت في خلافة الطائع لله خليفة بغداد.

وصعد العزيز يوماً آخر المنبر ، فرأى ورقة فيها مكتوب:

بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقه

إن كنت أعطيت علم غيبٍ ... فقل لنا كاتب البطاقه وإنما كتب هذا لأنهم كانوا يدعون علم المغيبات، وأخبارهم في ذلك مشهورة.

ولأبي الرقعمق أحمد بن محمد الأنطاكي - المقدم ذكره (١) - قصيدة رائية يمدح بها العزيز المذكور، وهي من أجود مدائحه فيه.

وزادت مملكته على مملكة أبيه، وفتحت له حمص وحماة وشيزر وحلب، وخطب له أبو الدواد محمد بن المسيب وهو أخو المقلد بن المسيب العقيلي، صاحب الموصل بالموصل وأعمالها في المحرم سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة، وضرب اسمه على السكة والبنود، وخطب له باليمن، ولم يزل في سلطانه وعظم شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجهاً إلى الشام، فابتدأت به العلة في العشر الأخير من رجب سنة ست وثمانين وثلثمائة، ولم يزل مرضه يزيد وينقص، حتى ركب يوم الأحد لخمس بقين من شهر رمضان من السنة المذكورة إلى الحمام بمدينة بلبيس، وخرج منها إلى منزل الأستاذ أبي الفتوح برجوان - المقدم ذكره - وكان صاحب خزائنه بالقصر، فأقام عنده، وأصبح يوم الاثنين، فاشتد به الوجع يومه ذلك وصبيحة نهاره الثلاثاء، وكان مرضه من حصاة وقولنج فاستدعى القاضي محمد بن النعمان وأبا محمد الحسن (٢) بن عمارة الكتامي الملقب أمين الدولة، وهو أول من تلقب من المغاربة (٣) ، وكان شيخ كتامة وسيدها، وخاطبهما بما خاطبهما به في أمر ولده الملقب الحاكم - المقدم ذكره - ثم استدعى ولده المذكور وخاطبه أيضاً بذلك، ولم يزل العزيز المذكور في الحمام والأمر يشتد به إلى بين الصلاتين من ذلك النهار، وهو الثلاثاء الثامن والعشرون من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلثمائة، فتوفي في مسلخ الحمام، هكذا قال المسبحي.

وقال صاحب " تاريخ القيروان ": إن الطبيب وصف له دواء يشربه في حوض الحمام، وغلط فيه، فشربه فمات من ساعته، ولم ينكتم موته ساعة واحدة، وترتب موضعه ولده الحاكم أبو علي المنصور - المقدم ذكره - وبلغ الخبر أهل القاهرة، فخرج الناس غداة الأربعاء لتلقي الحاكم، فدخل البلد وبين يديه البنود والرايات وعلى رأسه المظلة، يحملها ريدان الصقلبي - المذكور في ترجمة برجوان - فدخل القصر بالقاهرة عند اصفرار الشمس، ووالده العزيز بين يديه في عمارية، وقد خرجت قدماه (٣) منها، وأدخلت العمارية القصر، وتولى غسله القاضي محمد بن النعمان، ودفن عند أبيه العز في حجرة من القصر، وكان دفنه عند العشاء الآخرة، وأصبح الناس يوم الخميس سلخ الشهر، والأحوال مستقيمة، وقد نودي في البلد: أن لا مؤنة ولا كلفة، وقد أمنكم الله تعالى على أموالكم وأرواحكم، فمن عارضكم أو نازعكم فقد حل ماله ودمه.



وكانت ولادة العزيز المذكور يوم الخميس رابع عشر المحرم سنة أربع وأربعين وثلثمائة بالمهدية من أرض افريقية " وقال الفرغاني في تاريخه الصغير: كان مولد العزيز بالله يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم من السنة المذكور " .

وقال المختار المسبحي صاحب التاريخ المشهور: قال لي الحاكم وقد جرى ذكر والده العزيز: يا مختار، استدعاني والدي قبل موته، وهو عاري الجسم، وعليه الخرق والضماد، فاستدناني وقبلني وضمني إليه وقال: وأغمي عليك يا حبيب قلبي، ودمعت عيناه. ثم قال: امض يا سيدي والعب فأنا في عافية، قال: فمضيت والتهيت بما يلتهي به الصبيان من اللعب إلى أن نقل الله سبحانه وتعالى العزيز إليه، قال: فبادر إلي برجوان وأنا على جميزة كانت في الدار فقال: انزل ويحك، الله الله فينا وفيك، قال: فنزلت، فوضع العمامة بالجوهر على رأسي، وقبل لي الأرض وقال: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى

وبركاته، قال: وأخرجني حينئذ إلى الناس على تلك الهيئة، فقبل جميعهم لي الأرض، وسلموا علي بالخلافة.







وأخبار كثيرة، والاختصار أولى، رحمه الله تعالى.