الأحد، 11 مايو 2025

ابن قلاقس(532:567)

أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن عبد القوي بن قلاقس، اللخمي الأزهري الإسكندري، الملقب القاضي الأعز، الشاعر المشهور؛ كان شاعراً مجيداً وفاضلاً نبيلاً " ولم يكن له لحية بل كان سناطاً، وقيل أشعار بسب ذلك فأضربت عن ذكرها لفحشها "

. صحب الشيخ الحافظ أبا طاهر أحمد بن محمد السلفي - المقدم ذكره - وانتفع بصحبته، وله فيه غرر المدائح، وقد تضمنها ديوانه، وكان الحافظ المذكور كثيراً ما يثني عليه ويتقاضاه بمديحه ، وقصد القاضي الفاضل عبد الرحيم - المقدم ذكره - بقصيدة موسومة أحسن فيها كل الإحسان، وأولها :

ما ضر ذاك الريم أن لا يريم ... لو كان يرثي لسليم سليم

وما على من وصله جنة ... ألا أرى من صه في جحيم

أعندما همت به روضةً ... أعل جسمي لأكون النسيم

رقيم خد نام عن ساهرٍ ... ما أجدر النوم بأهل الرقيم

وكيف لا يصرم ظبيٌ وقد ... سمعت في النسبة ظبي الصريم

وعاذلٍ دام ودوام الدجى ... بهيمة نادمتها في بهيم

يغظني وهو على رسله ... والمرء في غيظ سواه حليم

قلت له لما عدا طوره ... والقلب مني في العذاب الأليم

اعذر فؤادي إنه شاعرٌ ... من حبه في كل واد يهيم

يا رب خمر فمه كاسها ... لم أقتنع من شربها بالشيم

أتبعت رشفاً قبلاً عندها ... وقلت هذا زمزمٌ والحطيم

فافتر إما عن أقاحي الربا ... يضحك أو در العقود النظيم

أو كان قد قبل مستحسناً ... ما قبل الفاضل عبد الرحيم

وكان كثير الحركات والأسفار، وفي ذلك يقول :

والناس كثرٌ ولكن لا يقدر لي ... إلا مرافقة الملاح والحادي وفي آخر وقته دخل بلاد اليمن، وامتدح بمدينة عدن أبا الفرج ياسر بن أبي الندى بلال بن جرير المحمدي وزير محمد وأبي السعود ولدي عمران بن محمد بن الداعي سبأ بن أبي السعود بن زريع بن العباس اليامي، صاحب بلاد اليمن، فأحسن إليه وأجزل صلته، وفارقه وقد أثرى من جهته، فركب البحر، فانكسر المركب به، وغرق جميع ما كان معه بجزيرة الناموس بالقرب من دهلك، وذلك يوم الجمعة خامس ذي القعدة سنة ثلاث وستين وخمسمائة، فعاد إليه وهو عريان، فلما دخل عليه أنشده قصيدته التي أولها :

صدرنا وقد نادى السماح بنا ردوا ... فعدنا إلى مغناك والعود أحمد وهذه القصيدة من القصائد المختارة، ولو لم يكن فيها سوى هذا البيت لكفاه، ثم أنشده بعد ذلك قصيدة يصف فيها غرقه، وأولها

سافر إذا حاولت قدرا ... سار الهلال فصار بدرا

والماء يكسب ما جرى ... طيباً ويخبث ما استقرا

وبنقلة الدر النفي ... سة بدلت بالبحر نحرا

ومنها:

يا راوياً عن ياسر ... خبراً ولم يعرفه خبرا

اقرأ بغرة وجهه ... صحف المنى إن كنت تقرا

والثم بنان يمينه ... وقل السلام عليك بحرا

وغلطت في تشبيه ... بالبحر، فاللهم غفرا

أو ليس نلت بذا غنى ... جماً ونلت بذاك فقرا

وعهدت هذا لم يزل ... مداً، وذاك يعود جزرا

وهي قصيدة طويلة أحسن فيها كل الإحسان، ومعنى البيت الثاني منها مأخوذ من قول بديع الزمان صاحب المقامات - المقدم ذكره في حرف الهمزة - في أول رسالة قد ذكرتها في ترجمته، وهي " الماء إذا طال مكثه، ظهر خبثه "، والبيت الثالث من هذه القصيدة أيضاً مأخوذ من قول صردر الشاعر - المقدم ذكره في حرف العين - وهو :

قلقل ركابك في الفلا ... ودع الغواني للخدور

فمحالفو أوطانهم ... أمثال سكان القبور

لولا التنقل ما ارتقت ... درر البحور إلى النحور

وله في جارية سوداء،

وهو معنى غريب:

رب سوداء وهي بيضاء معنى ... نافس (٢) المسك عندها الكافور

مثل حب العيون يحسبه النا ... س سواداً، وإنما هو نور

محاسن ابن قلاقس نادرة .

وكانت ولادته بثغر الإسكندرية يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. وتوفي ثالث شوال سنة سبع وستين وخمسمائة بعيذاب، رحمه الله تعالى.

ودخل صقلية في شعبان سنة ثلاث وستين، وكان وصوله إلى اليمين سنة خمس وستين، وكان بصقلية بعض القواد، يقال له القائد أبو القاسم ابن الحجر فاتصل به وأحسن إليه، وصنف له كتاباً سماه " الزهر الباسم في أوصاف أبي القاسم " وأجاد فيه، ولما فارق صقلية راجعاً إلى الديار المصرية، وكان زمن الشتاء، ردته الريح إلى صقلية، فكتب إلى أبي القاسم المذكور :

منع الشتاء من الوصو ... ل مع الرسول إلى دياري

فأعادني وعلى اختيا ... ري جاء من غير اختياري

ولربما وقع الحما ... ر وكان من غرض المكاري

وقلاقس: بقافين، الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وبينهما لام ألف وفي آخره سين مهملة، وهو جمع قلقاس بضم القاف وهو معروف.

واللخمي: تقدم الكلام عليه وكذلك الأزهري.

وعيذاب: بفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الذال المعجمة وبعد الألف باء موحدة، وهي بليدة على شاطئ بحر جدة، يعدي منها الركب المصري المتوجه إلى الحجاز ، على طريق قوص، في ليلة واحدة، في أغلب الأوقات، فيصل إلى جدة، ومنها إلى مكة - حرسها الله تعالى - مسافة يوم، وبجدة قبر أم البشر حواء، رضي الله عنها، على ما يقال، وقبرها هناك ظاهر يزار.



وياسر المذكور قتله شمس الدولة توران شاه - المقدم ذكره - عند دخوله اليمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق