الثلاثاء، 21 مارس 2017

ابن أسعد الموصلي

    أبو الفرج عبد الله بن أسعد بن علي بن عيسى بن علي المعروف بابن الدهان الموصلي، ويعرف بالحمصي أيضاً، الفقيه الشافعي المنعوت بالمهذّب؛ كان فقيهاً فاضلاً أديباً شاعراً لطيف الشعر مليح السبك حسن المقاصد، غلب عليه الشعر واشتهر به  وله ديوان صغير  وكله جيد، وهو من أهل الموصل ولما ضاقت به الحال عزم على قصد الصالح بن رُزّيك وزير مصر المذكور في حرف الطاء  ، وعجزت قدرته عن استصحاب زوجته فكتب إلى الشريف ضياء الدين  أبي عبد الله  زيد بن محمد بن محمد بن عبيد الله الحسيني نقيب العلويين بالموصل هذه الأبيات  :
    وذات شجوٍ أسال البين عبرتها ... باتت تؤمِل بالتفنيد إمساكي
    لجت فلما رأتني لا أصيخ لها ... بكت فأقرح قلبي جفنها الباكي
    قالت وقد رأت الأجمال محدجةً ... والبين قد جمع المشكو والشاكي
    من لي إذا غبت في ذا المحل قلت لها ... الله وابن عبيد الله مولاك
    لا تجزعي بانحباس الغيث عنك فقد ... سألت نوء الثريا جود مغناك
    فتكفل الشريف المذكور لزوجته بجميع ما تحتاج إليه مدة غيبته عنها. ثم توجه إلى مصر ومدح الصالح بن رزيك بالقصيدة الكافية، وقد ذكرت بعضها هناك، ثم تقلبت به الأحوال وتولى التدريس بمدينة حمص، وأقام بها فلهذا ينسب إليها.
    قال العماد الكاتب فيه " الخريدة "  : مازلت وأنا بالعراق، إلى لقائه بالأشواق، فإني كنت أقف على قصائده المستحسنة، ومقاصده الحسنة، وقد سارت كافيته بين فضلاء الزمان كافةً فشهدت بكفايته، وسجلت بأن أهل العصر لم يبلغوا إلى غايته. ثم قال بعض الثناء عليه: فيه تمتمة تسفر عن فصاحة تامة، وعقدة لسانٍ تبين فقه في القول. ثم قال بعد ذلك: ولما وصل السلطان صلاح الدين رحمه الله إلى حمص وخيم بظاهرها خرج إلينا أبو الفرج المذكور، فقدمته إلى السلطان، وقلت له: هذا الذي يقول في قصيدته الكافية التي في ابن رزيك:
    أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم ... والشعر ما زال عند الترك متروكا قال: فأعطاه السلطان وقال: حتى لا يقول  إنه متروك، ثم امتدح السلطان بقصيدته العينية التي يقول فيها  :
    قل للبخيلة بالسلام تورعاً ... كيف استبحت دمي ولم تتورعي
    وزعمت أن تصلي بعامٍ قابلٍ ... هيهات أن أبقى إلى أن ترجعي
    أبديعة الحسن التي في وجهها ... دون الوجه علامة للمبدع
    ما كان ضرك لو غمزت بحاجبٍ ... يوم التفرق أو أشرت بإصبع
    وتيقني إني بحبك مغرم ... ثم اصنعي ما شئت بي أن تصنعي
    وقال العماد أيضاً: أنشدني هذين البيتين وزعم أنه أبتكر معناهما ولم يسبق إليه، وهما  :
    تردي الكتائب كتبه فإذا انبرت ... لم تدر أنفذ أسطراً أم عسكرا
    لم يحسن الإتراب فوق سطورها ... إلا لأن الجيش يعقد عثيرا
    وهذان البيتان من جملة قصيدة ولقد أبدع فيهما. وفي معنى تشبيه القلم بالجيش قول بعضهم:
    قوم إذا أخذوا الأقلام عن غضب ... ثم استمدوا بها ماء المنيات
    نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا ... ما لم ينالوا بحد المشرفيات
    قلت: ومعنى البيت الأول ينظر إلى قول أبي تمام الطائي في مدح محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم  :
    هززت أمير المؤمنين محمداً ... فكان ردينياً وأبيض منصلا
    فما إن تبالي إذ تجهز رأيه ... إلى ناكث أن لا تجهز جحفلا ثم إني وجدت معنى البيت الثاني للأستاذ أبي إسماعيل الحسين بن علي المنشئ الطغرائي المقدم ذكره وهو من جملة قصيدة يمدح بها نظام الملك:
    إذا ما دجا ليل العجاجة لم يزل ... بأيديهم جمرٌ إلى الهند منسوبعليها سطور الضرب يعجمها القنا ... صحائف يغشاها من النقع تتريب ومن شعره السائر  :
    يضحي يجانبي مجانبة العدا ... ويبيت وهو إلى الصباح نديم
    ويمر بي يخشى الرقيب فلفظه ... شتمٌ وغنج لحاظه تسليم
    وله في غلام لسبته نحلة في شفته  :
    بأبي من لسبته نحلةٌ ... ألمت أكرم شيء وأجل
    أثرت لسبتها في شفةٍ ... ما براها الله إلا للقبل
    حسبت أن بفيه  بيتها ... إذا رأت ريقته مثل العسل ولولا خوف الإطالة لذكرت له أشياء بديعة.
    وتوفي بمدينة حمص في شعبان سنة إحدى، وقيل اثنتين وثمانين وخمسمائة، والثاني ذكره في السيل والذيل والأول أصح، رحمه الله تعالى، وقد قارب ستين سنة.
     وتوفي الشريف ابن عبيد الله المذكور بالموصل سنة ثلاث وستين وخمسمائة، رحمه الله تعالى، وكان رئيساً جواداً كثير الإحسان جم الإفضال، وله شعر فمنه قوله:
    قالوا سلا، صدقوا عن ... السلوان ليس عن الحبيب
    قالوا فلم ترك الزيا ... رة قلت من خوف الرقيب
    قالوا وكيف تعيش مع ... هذا فقلت من العجيب 
    وذكره عماد الدين في كتاب " الخريدة "  وبالغ في الثناء عليه، ثم قال: وسمعت ببغداد أبياتاً يغنى بها فنسبها بعض الشاميين إلى الشريف ضياء الدين المذكور، منها:
    يا بانة الوادي التي سفكت دمي ... بلحاظها بل يا فتاة  الأجرع
    لي أن أبثَّ إليك ما ألقاه من ... ألم الهوى وعليك أن لا تسمعي
    كيف السبيل إلى تناول حاجة ... قصرت يدي عنها كزند الأقطع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق