الثلاثاء، 21 مارس 2017

المرتضى بن الشهرزوري

    أبو محمد عبد الله بن القاسم بن المظفر بن عليّ بن القاسم الشّهرزوريّ المنعوت بالمرتضى، والد القاضي كمال الدين - وسيأتي ذكر ولده ووالده إن شاء الله تعالى -؛ كان أبو محمد المذكور مشهوراً بالفضل والدين، وكان مليح الوعظ مع الرشاقة والتجنيس، وأقام ببغداد مدة يشتغل بالحديث والفقه، ثم رجع إلى الموصل وتولى بها القضاء وروى الحديث، وله شعر رائق، فمن ذلك قصيدته التي على طريقة الصوفية ولقد أحسن فيها وهي:
    لمعت نارهم وقد عسعس اللي ... ل وملَّ الحادي وحار الدليل
    فتأملتها وفكري من البي ... ن عليلٌ ولحظ عيني كليل
    وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى ... وغرامي ذاك الغرام الدخيل
    ثم قابلتها وقلت لصحبي ... هذه النار نار ليلى فميلوا
    فرموا نحوها لحاظاً صحيحا ... تٍ فعادت خواسئاً وهى حول
    ثم مالوا إلى الملام وقالوا ... خلبٌ ما رأيت أم تخييل
    فتجنبتهم وملت إليها ... والهوى مركبي وشوقي الزميل
    ومعي صاحب أتى يقتفي الآ ... ثار والحب شرطه التطفيل
    وهي تعلو ونحن ندنو إلى أن ... حجزت دونها طلولٌ محول
    فدنونا من الطلول فحالت ... زفراتٌ من دونها وغليل
    قلت: من بالديار قالوا: جريحٌ ... وأسيرٌ مكبلٌ وقتيل
    ما الذي جئت تبتغي قلت: ضيف ... جاء يبغي القرى فأين النزول
    فأشارت بالرحب دونك فاعقر ... ها فما عندنا لضيفٍ رحيل
    من أتانا ألقى عصا السير عنه ... قلت: من لي بها وأين السبيل
    فحططنا إلى منازل قومٍ ... صرعتهم قبل المذاق الشمول
    درس الوجد منهم كل رسمٍ ... فهو رسمٌ والقوم فيه حلول
    منهم من عفا ولم يبق للشك ... وى ولا للدموع فيه مقيل
    ليس إلا الأنفاس تخبر عنه ... وهو عنها مبرَّأ معزول
    ومن القوم من يشير إلى وج ... دٍ تبقَّى عليه منه القليل
    ولكلٍ رأيت منه مقاماً ... شرحه في الكتاب مما يطول
    قلت أهل الهوى سلامٌ عليكم ... لي فؤادٌ عنكم بكم مشغول
    وجفونٌ قد أقرحتها من الدم ... ع حثيثاً إلى لقاكم سيول
    لم يزل حافز من الشوق يحدو ... ني إليكم والحادثات تحول
    واعتذاري ذنبٌ فهل عند من ... يعلم عذري في ترك عذري قبول
    جئت كي أصطلي فهل لي إلى نا ... ركم هذه الغداة سبيل
    فأجابت شواهد الحال عنهم ... كل حدٍّ من دونها مفلول
    لا تروقنّك الرياض الأنيقا ... ت فمن دونها ربًى ودحول
    كم أتاها قومٌ على غرّةٍ من ... ها وراموا أمراً فعزًّ الوصول
    وقفوا شاخصين حتى إذا ما ... لاح للوصل غرّةٌ وحجول
    وبدت راية الوفا بيد الوج ... د ونادى أهل الحقائق جولوا
    أين من كان يدَّعينا فهذا ال ... يوم فيه صبغ الدعاوى يحول
    حملوا حملة الفحول ولايص ... رع يوم اللقاء إلا الفحول
    بذلوا أنفساً سخت حين شحَّت ... بوصالٍ واستصغر المبذول
    ثم غابوا من بعد ما اقتحموها ... بين أمواجها وجاءت سيول
    قذفتهم إلى الرسوم فكلٌّ ... دمه في طلولها مطلول
    نارنا هذه تضيء لمن يس ... ري بليلٍ لكنها لا تنيل
    منتهى الحظ ما تزوّد منها اللح ... ظ والمدركون ذاك قليل
    جاءها من عرفت يبغي اقتباساً ... وله البسط والمنى والسُّول
    فتعالت عن المنال وعزَّت ... عن دنوٍّ إليه وهو رسول
    فوقفنا كما عهدت حيارى ... كلُّ عزمٍ من دونها مخذول
    ندفع الوقت بالرجاء وناهي ... ك بقلبٍ غذاؤه التعليل
    كلما ذاق كأس يأسٍ مريرٍ ... جاء كأسٌ من الرجا معسول
    فإذا سوَّلت له النفس أمراً ... حيد عنه وقيل: صبرٌ جميل
    هذه حالنا وما وصل العل ... م إليه، وكلُّ حال تحول وإنما أثبت هذه القصيدة بكاملها لأنها قليلة الوجود وهي مطلوبة. وحكي عن بعض المشايخ أنه رأى في النوم قائلاً يقول: ما قيل في الطريق مثل القصيدة الموصلية، يعني هذه.
    وأنشد له مجد العرب العامري دوبيت:
    يا قلب إلام لا يفيد النصح ... دع مزحك كم جنى عليك المزح
    ما جارحة فيك عداها جرح ... ما تشعر بالخمار حتى تصحو
    وأورد له العماد الكاتب في الخريدة قوله  :
    فعاودت قلبي أسأل الصبر وقفةً ... عليها فلا قلبي وجدت ولا صبري
    وغابت شموس الوصل عني وأظلمت ... مسالكه حتى تحيرت في أمري
    فما كان إلا الخطف حتى رأيتها ... محكّمة والقلب في ربقة الأسر وله من أبيات:
    وبانوا فكم دمعٍ من الأسر أطلقوا ... نجيعاً وكم قلبٍ أعادوا إلى الأسر
    فلا تنكروا خلعي عذاري تأسُّفاً ... عليهم فكم أوضحت عندكم عذري
    ومن شعره أيضاً  :
    بقلبي منهم علق ... ودمعي فيهم علق
    وعندي منهم حرق ... لها الأحشاء تحترق
    ونحن ببابهم فرق ... أذاب قلوبنا الفرق
    وما تركوا سوى رمقٍ ... فليتهم له رمقوا
    فلا وصلٌ ولا هجرٌ ... ولا نومٌ ولا أرق
    ولا يأسٌ ولا طمعٌ ... ولا صبرٌ ولا قلق
    فليتهم وقد قطعوا ... ولم يُبقوا عليَّ بَقوا
    أأفنى في محبتهم  ... وطيب محبتي عبق
    كمثل الشمع يمتع من ... ينادمه ويمَّحق وله أيضاَ:
    يا ليل  ما جئتكم زائراً ... إلا وجدت الأرض تطوى لي
    ولا ثنيت العزم عن بابكم ... إلا تعثرت بأذيالي
     وغالب شعره على هذا الأسلوب.
    وكانت ولادته في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وخمسمائة بالموصل، ودفن في التربة المعروفة بهم، رحمه الله تعالى.
    وذكر عماد الدين الكاتب الأصبهاني في كتاب " الخريدة "  في ترجمة المرتضى المذكور قال السمعاني: إنه سمع أن القاضي أبا محمد، يعني المرتضى المذكور، توفي بعد سنة عشرين وخمسمائة، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق