الجمعة، 31 مارس 2017

عبد المحسن الصوري

    أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون الصوري الشاعر المشهور؛ أحد المحسنين الفضلاء، المجيدين الأدباء، شعره بديع الألفاظ حسن المعاني، رائق الكلام مليح النظام، من محاسن الشام، له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان، فمن محاسنه قوله:
    أترى بثأرٍ أم بدين ... علقت محاسنها بعيني
    في لحظها وقوامها ... ما في المهند والرديني
    وبوجهها ماء الشبا ... ب خليط نار الوجنتين
    بكرت  علي وقالت اخ ... تر خصلة من خصلتين
    إما الصدود أو الفرا ... ق فليس عندي غير ذين
    فأجبتها ومدامعي ... تنهل مثل المأزمين
    لا تفعلي، إن حان ص ... دك أو فراقك حان حيني
    فكأنما قلت انهضي ... فمضت مسارعةً لبيني
    ثم استقلت أين حل ... ت عيسها رميت بأين
    ونوائبٍ أظهرن أيا ... مي إلي بصورتين
    سودنها وأطلنها ... فرأيت يوماً ليلتين ومنها:
    هل بعد ذلك من يع ... رفني النضار من اللجين
    فلقد جهلتهما لبع ... د العهد بينهما وبيني
    متكسباً بالشعر يا ... بئس الصناعة في اليدين
    كانت كذلك قبل أن ... يأتي علي بن الحسين
    فاليوم حال الشعر ثا ... لثة لحال الشعريين
    أغنى وأعفى مدحه ال ... عافين عن كذب ومين وهذه القصيدة عملها عبد المحسن في علي بن الحسين والد الوزير أبي القاسم بن المغربي، وهي قصيدة طويلة جيدة ولها حكاية ظريفة، وهي أنه كان بمدينة عسقلان رئيس يقال له ذو المنقبتين، فجاءه بعض الشعراء وامتدحه بهذه القصيدة وجاء في مديحها:
    ولك المناقب كلها ... فلم اقتصرت على اثنتين فأصغى الرئيس إلى إنشاده واستحسنها وأجزل جائزته، فلما خرج من عنده قال له بعض الحاضرين: هذه القصيدة لعبد المحسن، فقال: أعلم هذا وأحفظ القصيدة، ثم أنشدها، فقال له ذلك الرجل: فكيف حتى عملت معه هذا العمل من الإقبال عليه والجائزة السنية فقال: لم أفعل ذلك إلا لأجل البيت الذي ضمنها، وهو قوله:
    ولك المناقبُ كلها ... فإن هذا البيت ليس لعبد المحسن، وأنا ذو المنقبتين، فأعلم قطعاً أن هذا البيت ما عمل إلا في، وهو في نهاية الحسن.
    ومن شعره أيضاً، وذكر الثعالبي في كتابه الذي جعله ذيلاً على " يتيمة الدهر "، هذه الأبيات لأبي الفرج ابن أبي حصين علي بن عبد الملك الرقي أصلاً، وكان أبوه قاضي حلب، والله أعلم، ولكنها في ديوان عبد المحسن - والثعالبي قد نسب أشياء إلى غير أربابها وغلط فيها، ولعل هذا من جملة الغلط أيضاً - وذكر في ديوانه أنه عملها في أخيه عبد الصمد، وهي:
    وأخٍ مسه نزولي بقرحٍ ... مثلما مسني من الجوع قرح
    بت ضيفاً له كما حكم الده ... ر وفي حكمه على الحر قبح
    فابتداني يقول وهو من السك ... رة بالهم طافح ليس يصحو
    لم تغربت قلت قال رسول الله ... والقول منه نصحٌ ونجح
    سافروا تغنموا، فقال: وقد قا ... ل تمام الحديث صوموا تصحوا وذكر له صاحب " اليتيمة " هذين البيتين:
    عندي حدائق شكرٍ غرس جودكم ... قد مسها عطش فليسق من غرسا
    تداركوها وفي أغصانها رمقٌ ... فلن يعود اخضرار العود إن يبسا واجتاز يوماً بقبر صديق له فأنشده:
    عجباً لي وقد مررت على قب ... رك كيف اهتديت قصد الطريق
    أتراني نسيت عهدك يوماً ... صدقوا ما لميت من صديق ولما ماتت أمه ودفنها وجد عليها وجداً كثيراً فأنشد:
    رهينة أحجار ببيداء دكدك ... تولت فحلت عروة المتمسك
    وقد كنت أبكي إن تشكت وإنما ... أنا اليوم أبكي أنها ليس تشتكي وهذا المعنى مأخوذ من قول المتنبي:
    وشكيتي فقد السقام لأنه ... قد كان لما كان لي أعضاء وقد استعمل أبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بابن سنان الخفاجي الحلبي 
    هذا المعنى في بيت من جملة قصيدة طويلة فقال:
    بكى الناس أطلال الديار وليتني ... وجدت دياراً للدموع السواكب ومحاسنه كثيرة، والاقتصار أولى.
    وتوفي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة، وعمره ثمانون سنة أو أكثر، رحمه الله تعالى.
    وغلبون: بفتح الغين المعجمة وسكون اللام وضم الباء الموحدة وبعد الواو نون.
    والصوري قد تقدم الكلام عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق