الأربعاء، 22 فبراير 2017

ابن العلاف الشاعر

ابن العلاف الشاعر
أبو بكر الحسن بن علي بن أحمد بن بشار بن زياد المعروف بابن العلاف الضرير النهرواني الشاعر المشهور؛ كان من الشعراء المجيدين، وحدث عن أبي عمر 
الدوري المقرئ وحميد بن مشعدة البصري ونصر بن علي الجهضمي ومحمد بن إسماعيل الحساني، وروى عنه عبد الله بن الحسن بن النخاس وأبو الحسن الخراجي القاضي وابو حفص ابن شاهين وغيرهم (1) ، وكان ينادم الإمام المعتضد بالله.
وقال (2) : بت ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندامائه، فأتانا خادم ليلاً فقال: أمير المؤمنين يقول: أرقت الليلة بعد انصرافكم فقلت:
ولما انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذا الدار قفر والمزار بعيد وقد أرتج علي تمامه، فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة، قال: فأرتج على الجماعة وكلهم شاعر فاضل، فابتدرت وقلت:
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعل خيالاً طارقاً سيعود فرجع الخادم إليه ثم عاد فقال: أمير المؤمنين يقول: قد أحسنت، وقد أمر لك بجائزة.
وكان لأبي بكر المذكور هر يأنس به، وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل فراخها، وكثر ذلك منه، فأمسكه أربابها فذبحوه، فرثاه بهذه القصيدة وقد قيل: إنه رثى بها عبد الله بن المعتز - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وخشي من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها لأنه هو الذي قتله، فنسبها إلى الهر وعرض به في أبيات منها، وكانت بينهما صحبة أكيدة.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه الصغير الذي سماه " المعارف المتأخرة " في ترجمة الوزير أبي الحسن علي بن الفرات ما مثاله: قال الصاحب أبو القاسم ابن عباد: أنشدني أبو الحسن ابن أبي بكر العلاف وهو الأكول المقدم في الأكل في مجالس الرؤساء والملوك قصائد أبيه في الهر، وقال: إنما كنى بالهر عن المحسن بن الفرات أيام محنته لأنه لم يجسر أن يذكره ويرثيه.
قلت أنا: وهذا المحسن ولد الوزير المذكور، وسيأتي خبر ذلك في ترجمة 
أبيه أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات إن شاء الله تعالى.
وذكر صاعد اللغوي في كتاب " الفصوص " قال: حدثني أبو الحسن المرزباني قال: هويت جارية لعلي بن عيسى غلاماً لأبي بكر ابن العلاف الضرير، ففطن بهما فقتلا جميعاً وسلخا وحشيت جلودهما تبناً، فقال أبو بكر مولاه هذه القصيدة يرثيه بها وكنى عنه بالهر، والله أعلم.
وهي من أحسن الشعر وأبدعه، وعددها خمسة وستون بيتاً، وطولها يمنع من الإتيان بجميعها فنأتي بمحاسنها، وفيها أبيات مشتملة على حكم فنأتي بها، وأولها:
يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت عندي بمنزل الولد
فكيف ننفك عن هواك وقد ... كنت لنا عدة من العدد
تطرد عنا الأذى وتحرسنا ... بالغيب من حية ومن جرد
وتخرج الفأر من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم مدد ... وأنت تلقاهم بلا مدد
لا عدد كان منك متفلتاً  ... منهم ولا واحد من العدد
لا ترهب الصيف عند هاجرة ... ولا تهاب  الشتاء في الجمد
وكان يجري ولا سداد لهم ... أمرك في بيتنا على سدد
حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد
وحمت حول الردى بظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد
وكان قلبي عليك مرتعداً ... وأنت تنساب غير مرتعد
تدخل برج الحمام متئداً ... وتبلغ الفرخ غير متئد
وتطرح الريش في الطريق لهم ... وتبلغ اللحم بلع مزدرد
أطعمك الغي لحمها فرأى ... قتلك أربابها  من الرشد

حتى إذا داوموك واجتهدوا ... وساعد النصر كيد مجتهد
كادوك دهراً فما وقعت وكم ... أفلت من كيدهم ولم تكد
فحين أخفرت وانهمكت وكا ... شفت وأسرفت غير مقتصد
صادوك غيظاً عليك وانتقموا ... منك وزادوا ومن يصد يصد
ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يرعووا على أحد ومنها:
فلم تزل للحمام مرتصداً ... حتى سقيت الحمام بالرصد
لم يرجموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد
أذاقك الموت ربهن كما ... أذقت أفراخه يداً بيد ومنها:
كأن حبلاً حوى بجودته ... جيدك للخنق كان ممن مسد
كأن عيني تراك مضطرباً ... فيه وفي فيك رغوة الزبد
وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة ولم تجد
فجدت بالنفس والبخيل بها ... أنت ومن لم يجد بها يجد
فما سمعنا بمثل موتك إذ ... مت ولا مثل عيشك النكد
عشت حريصاً يقوده طمع ... ومت ذا قاتل بلا قود ومنها:
يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالغدد
ألم تخف وثبة الزمان كما ... وثبت في البرج وثبة الأسد
عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد
أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكلك الدهر أكل مضطهد
هذا بعيد من القياس وما ... أعزه في الدنو والبعد
لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد

كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد
ما كان أغناك عن تسورك ال ... برج ولو كان جنة الخلد
قد كنت في نعمة وفي دعة ... من العزيز المهيمن الصمد
تأكل من فأر بيتنا رغداً ... وأين بالشاكرين للرغد
وكنت بددت شملهم زمناً ... فاجتمعوا بعد ذلك البدد
فلم يبقوا لنا على سبد ... في جوف أبياتنا ولا لبد
وفرغوا قعرها وما تركوا ... ما علقته يد على وتد
وفتتوا الخبز في السلال فكم ... تفتتت للعيال من كبد
ومزقوا من ثيابنا جدداً ... فكلنا في المصائب الجدد ونقتصر من هذه القصيدة على هذا القدر فهو زبدتها.
وكانت وفاته سنة ثماني عشرة، وقيل تسع عشرة وثلثمائة، وعمره مائة سنة، رحمه الله تعالى.
والنهرواني - بفتح النون وسكون الهاء وفتح الراء والواو وبعد الألف نون - هذه النسبة إلى النهروان، وهي بليدة قديمة بالقرب من بغداد، وقال السمعاني: هي بضم الراء، وليس بصحيح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق