الاثنين، 27 فبراير 2017

البارع الدباس

أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عبيد الله بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير الحارثي من بني الحارث ابن كعب بن عمرو الدباس البدري المنعوت بالبارع الشاعر المشهور الأديب النديم البغدادي؛ كان نحوياً لغوياً مقرئاً حسن المعرفة بصنوف الآداب، وأفاد خلقاً كثيراً، خصوصاً بإقراء القرآن الكريم.
وهو من بيت الوزارة، فإن جده القاسم كان وزير المعتضد [والمكتفي بعده] وهو الذي سم ابن الرومي الشاعر - كما سيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى - وعبيد الله كان وزيراً أيضاً، وسليمان بن وهب الوزير تغني شهرته عن ذكره - وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى -.
والبارع المذكور من أرباب الفضائل، وله مصنفات حسان وتواليف غريبة، وديوان شعر جيد، وكان بينه وبين الشريف أبي يعلى ابن الهبارية مداعبات لطيفة، فإنهما كانا رفيقين ومتحدين في الصحبة، فاتفق أن البارع المذكور تعلق بخدمة بعض الأمراء، وحج، فلما عاد حضر الشريف إليه مراراً فلم يجده، فكتب إليه قصيدة طويلة دالية يعاتبه فيها إلى أنه تغير عليه بسبب الخدمة، وأولها:
يا ابن ودي وأين مني ابن ودي ... غيرت طرفه الرياسة بعدي 

ولولا ما أودعها من السخف والفحش لذكرتها  ، فكتب إليه البارع المذكور جوابها، وأطال فيها، وضمنها أيضاً شيئاً من الفحش، وأولها:
وصلت رقعة الشريف أبي يع ... لى فحلت محل لقياه عندي
فتلقيتها  بأهلاً وسهلاً ... ثم ألصقتها بطرفي وخدي
وفضضت الختام عنها فما ظن ... ك بالصاب إذ يشاب بشهد
بين حلو من العتاب ومر ... هو أولى به وهزل وجد
وتجن  علي من غير جرم ... بملام يكاد يحرق جلدي
يدعي أنني حجبت  وقد زا ... ر مراراً، حاشاه من قبح رد
ثم دع ذا، ما للرياسة والحج ... أبن لي من حل أنف وعقد
فبماذا علمت بالله أني ... قد تنكرت (5) أو تغير عهدي
من تراني: أعامل أم وزير ... لأمير أم عارض للجند
أنا إلا ذاك الخليع الذي تع ... رف أرضى ولو بجرة دردي
وإذا صح لي مليح فذاك ال ... يوم عيدي وصاحب الدست عبدي
أتراني لو كنت في النار مع ها ... مان أنساك في جنان الخلد

أو لو أني عصبت بالتاج أسلو ... ك ولو كنت عانياً في القد
أنا أضعاف ما عهدت على العه ... د وإن كنت لا تجازي بود ومنها:
أم لأني من سائر النا ... س بفرد بين الأكارم فرد
صان وجهي عن اللئام وأولا ... ني جميلاً منه إلى غير حد
فتعففت واقتنعت بتدفي ... ع زماني وقلت إني وحدي
لا لأني أنفت مع ذا من الكد ... ية، أين الكرام حتى أكدي ونقتصر من هذه القصيدة على هذه الأبيات، ففيها سخف لا يليق ذكره وغيره مما لا حاجة إليه.
ومن شعره أيضا (1) :
أفنيت ماء الوجه من طول ما ... أسأل من لا ماء في وجهه
أنهي إليه شرح حالي الذي ... يا ليتني مت ولم أنهه
فلم ينلني كرما رفده ... ولم أكد أسلم من جبهه
والموت من دهر نحاريره ... ممتدة الأيدي إلى بلهه [وأورد له الحظيري في كتاب " زينة الدهر " وذكر أنه نقلها من خطه وذكر أنه قال هذه القصيدة بمكة في سنة 472:
ذكر الأحباب والوطنا ... والهوى والإلف والسكنا
فبكى شجواً وحق له ... مدنف بالشوق حلف ضنى
أبعدت مرمى يد رجمت ... من خراسان به اليمنا
خلست من بين أضلعه ... بالنوى قلباً له ضمنا

من لمشتاق يميله ... ذات سجع ميلت فننا
كلما هاج الهديل به ... طرباً هاجت له شجنا
لم تعرض بالحنين بمن ... مسعد إلا وقال أنا
لك يا ورقاء أسوة من ... لم تذيقي جفنه الوسنا
بك أنسي مثل أنسك بي ... فتعالي نبد ما كمنا
نتشاكى ما نجن إذا ... نحت شجواً صحت واحزنا
غير أني منك أعدل إن ... عاد سري في الهوى علنا
أنا لا أنت البعيد هوى ... أنا لا أنت الغريب هنا
أنا فرد يا حمام وها ... أنت وألإلف القرين ثنا
أنصفونا يا بني حسن ... ليس هذا منكم حسنا
كم أحلت محرماتكم ... بالعيون النجل أنفسنا
نحن وفد الله عندكم ... ما لكم جيرانه ولنا
لم يجرنا منكم حرم ... من أتاه خائفاً أمنا]  وكانت ولادته في العاشر من صفر سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ببغداد. وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة، وقيل الأولى، سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكان قد عمي في آخر عمره، رحمه الله تعالى.
والدباس - بفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف سين مهملة - وهذا يقال لمن يعمل الدبس أو يبيعه.
والبدري - بفتح الباء الموحدة وسطون الدال المهملة وبعدها راء - هذه النسبة إلى البدرية، وهي محلة ببغداد المحروسة وكان البارع المذكور يسكنها فنسب إليها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق