الأحد، 12 فبراير 2017

تميم بن المعز الفاطمي

    أبو علي تميم بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي؛ كان أبوه صاحب الديار المصرية والمغرب، وهو الذي بنى القاهرة المعزية - وسيأتي ذكره في حرف الميم إن شاء الله تعالى - وقد تقدم ذكر جماعة من أهل بيته - وسيأتي ذكر الباقين إن شاء الله تعالى -؛ وكن تميم المذكور فاضلاً شاعراً ماهراً لطيفاً ظريفاً، ولم يل المملكة لأن ولاية العهد كانت لأخيه العزيز فوليها بعد أبيه، والعزيز أيضاً أشعار جيدة وقد ذكرهما أبو منصور الثعالبي في " اليتيمة "  ، وأورد لهما كثيراً من المقاطيع، فمن شعر تميم المذكور  :
    ما بان عذري فيه حتى عذراً ... ومشى الدجى في خده فتحيرا
    همت تقلبه عقارب صدغه ... فاستل ناظره عليها خنجرا
    والله لولا أن يقال تغيراً ... وصبا وإن كان التصابي أجدرا
    لأعدت تفاح الخدود بنفسجا ... لثما وكافور الترائب عنبرا وله أيضاً 
    أما والذي لا يملك الأمر غيره ... ومن هو بالسر المكتم أعلم
    لئن كان كتمان المصائب مؤلماً ... لإعلانها عندي أشد وآلم
    وبي كل ما يبكي العيون أقله ... وإن كنت منه دائما أتبسم وأورد له صاحب " اليتيمة " (1) :
    وما أم خشفٍ ظل يوماً وليلة ... ببلقعة بيداء ظمآن صاديا
    تهيم فلا تدري إلى أين تنتهي (2) ... مولهة حيرى تجوب الفيافيا
    أضر بها حر الهجير فلم تجد ... لغلتها من بارد الماء شافيا
    فلما دنت من خشفها انعطفت له ... فألفته ملهوف الجوانح طاويا
    بأوجع مني يوم شدت حملهم ... ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا [وأورد له أبو الصلت أمية بن عبد العزيز في كتابه " الحديقة ":
    يوم لنا في النيل مختصر ... ولكل يوم مسرة قصر
    والسفن تصعد كالخيول بنا ... فيه وجيش الماء ينحدر
    فكأنما أمواجه عكن ... وكأنما داراته سرر ومن شعره أيضاً رحمه الله تعالى:
    اشرب على غيم كصبغ الدجى ... أضحك وجه الأرض لما بكى
    وانظر لماء النيل في مده ... كأنما صندل أو مسكا وكان قد وصل إلى عبد الله بن محمد الكاتب بيتان قيلا في وصف النيل فجمع شعراء إفريقية وأمرهم أن يقولوا في معناهما وقافيتهما فلم يأتوا بطائل وهما هذان البيتان:
    شربنا على النيل لما بدا ... بموجٍ يزيد ولا ينقص
    كأن تكاثف أمواجه ... معاطف جاريةٍ ترقص
    وأحسبهما للأمير تميم أو لبعض شعراء مصر، وذلك أن تميماً ركب في النيل ليلة متنزها فمر ببعض الطاقات المشرفة على النيل، وجاريةٍ تغني هذا الصوت:
    نبهت ندماني بدجلة موهنا ... والبدر في أفق السماء معلق
    والبدر يضحك وجهه في وجهها ... والماء يرقص حولها ويصفق
     فاستحسنه وطرب عليه وما زال يستعيدها فيه ويشرب عليه حتى انصرف وهو لا يعقل سكراً فلما أصبح عارضهما بالبيتين الأولين] .
    ومن المنسوب إليه أيضاً:
    وكما يمل الدهر من إعطائه ... فكذا ملالته من الحرمان وأشعاره كلها حسنة.
    وكانت وفاته في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلثمائة بمصر، رحمه الله تعالى، هكذا قال صاحب " الدول المنقطعة " وزاد العتقي  في تاريخه أنه توفي يوم الثلاثاء مع زوال الشمس لثلاث عشرة ليلة خلت من الشهر المذكور، وأن أخاه العزيز نزار بن المعز حضر الصلاة عليه في بستانه، وغسله القاضي محمد بن النعمان وكفنه في ستين ثوباً، وأخرجه من البستان مع المغرب وصلى عليه بالقرافة، وحمله إلى القصر فدفنه بالحجرة التي فيها قبر أبيه المعز. وقال محمد بن عبد الملك الهمداني في كتابه الذي سماه " المعارف المتأخرة "  : إنه توفي سنة خمس وسبعين، والله أعلم. وقال غيرهما: إنه ولد سنة سبع وثلاثين وثلثمائة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق