الثلاثاء، 7 فبراير 2017

أبو الصلت الأندلسي

    أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الأندلسي الداني؛ كان فاضلاً في علوم الآداب، صنف كتابه الذي سماه الحديقة على أسلوب يتيمة الدهر للثعالبي، وكان عارفاً بفن الحكمة، فكان يقال له: الأديب الحكيم، وكان ماهراً في علوم الأوائل، وانتقل من الأندلس وسكن ثغر الإسكندرية، وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وذكر شيئاً من نظمه،
    ومن جملة ما ذكر له [قوله لمن جاد عليه قبل مدحه:
    لا غرو أن سبقي يداك مدائحي ... فتدفقت جدواك مثل إنائها
    يكسى القضيب ولم يحن إثماره ... وتطوق الورقاء قبل غنائها ولأبي جعفر الجزار البطرني في ابن عباد (1) :
    وما زلت أجني منك والدهر ممحل ... ولا ثمر يجنى ولا زرع يحصد
    ثمار أياد دانياتٍ قطوفها ... لأغصانها ظل علي ممدد
    يرى جارياً ماء المكارم تحتها ... وأطيار شكري فوقهن تغرد ولأبي الصلت المذكور] :
    إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العالمين أقاربي
    ولا بد لي أن أسأل العيس حاجةً ... تشق على شم الذرى والغوارب ولم أر هذين البيتين في ديوانه (2) ، وأورد له أيضاً:
    وقائلة ما بال مثلك خاملاً ... أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز
    فقلت لها ذنبي إلى القوم أنني ... لما لم يحوزوه من المجد حائز
    وما فاتني شيء سوى الحظ وحده ... وأما المعالي فهي عندي غرائز
     ولا وجدت هذا المقطوع أيضاً في ديوانه، والله أعلم، وله أيضا:
    جد بقلبي وعبث ... ثم مضى وما اكترث
    واحربا من شادن ... في عقد الصبر نفث
    يقتل من شاء بعي ... نيه ومن شاء بعث
    فأي ود لم يخن ... وأي عهد ما نكث
    وله أيضاً:
    دب العذار بخده ثم انثنى ... عن لثم مبسمه البرود الأشنب
    لاغرو أن خشي الردى في لثمه ... فالريق سم قاتل للعقرب ومن شعره أيضاً:
    ومهفهفٍ شركت محاسن وجهه ... ما مجه في الكأس من إبريقه
    ففعالها من مقلتيه ولونها ... من وجنتيه وطعمها من ريقه [أخذ هذا المعنى من ابن حبوس حيث يقول:
    وممنطق يغني بلحظ جفونه ... عن كأسه الملأى وعن إبريقه
    فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيه ووجنتيه وريقه] وأورد له أيضاً في كتاب " الخريدة " في ترجمة الحسن بن أبي الشخباء العسقلاني (1) :
    عجبت من طرفك في ضعفه ... كيف يصيد البطل الأصيدا
    يفعل فينا وهو في غمده ... ما يفعل السيف إذا جردا وشعره كثير وجيد، وكان قد انتقل في آخر الوقت إلى المهدية وتوفي بها يوم الاثنين مستهل سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وقيل: في عاشر المحرم سنة ثمان وعشرين. وقال العماد في الخريدة: أعطاني القاضي الفاضل كتاب الحديقة وفي آخرها مكتوب: إنه توفي يوم الاثنين ثاني عشر المحرم سنة ست وأربعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى، والصحيح هو الأول، فإن أكثر الناس عليه، وهو الذي ذكره الرشيد بن الزبيرفي الجنان، ومات بالمهدية، ودفن بالمنستير - وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ هبة الله البوصيري إن
    شاء الله تعالى، ونظم أبياتاً، وأوصى أن تكتب على قبره، وهي آخر شيء قاله، وهي:
    سكنتك يا دار الفناء مصدقاً ... بأني إلى دار البقاء أصير
    وأعظم ما في الأمر أني صائر ... إلى عادل في الحكم ليس يجوز
    فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها ... وزادي قليل والذنوب كثير
    فإن أك مجزياً بذنبي فإنني ... بشر عقاب المذنبين (1) جدير
    وإن يك عفو منه عني ورحمة ... فثم نعيم دائم وسرور ولما اشتد مرض موته قال لولده عبد العزيز:
    عبد العزيز، خليفتي ... رب السماء عليك بعدي
    أنا قد عهدت إليك ما ... تدريه فاحفظ فيه عهدي
    فلئن عملت به فإن ... ك لا تزال حليف رشد
    ولئن نكثت لقد ضلل ... ت وقد نصحتك حسب جهدي ثم وجدت في مجموع لبعض المغاربة ان أبا الصلت المذكور مولده في دانية مدنية من بلاد الأندلس في قران سنة ستين وأربعمائة، وأخذ العلم عن جماعة من أهل الأندلس، كأبي الوليد الوقشي قاضي دانية وغيره، وقدم الإسكندرية مع أمه في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ونفاه الأفضل شاهنشاه من مصر في سنة خمس وخمسمائة، وتردد بالإسكندرية إلى أن سافر في سنة ست وخمسمائة فحل بالمهدية، ونزل من صاحبها علي بن يحيى بن تميم ابن المعز بن باديس منزلة جليلة، وولد له بها ولد سماه عبد العزيز، وكان شاعراً ماهراً، له في الشطرنج يد بيضاء، وتوفي هذا الولد ببجاية في سنة ست وأربعين وخمسمائة. قلت: وهو الذي غلط فيه العماد الكاتب فيما نقله عن القاضي الفاضل، واعتقد أن أباه مات في هذا التاريخ.
    وصنف أمية وهو في اعتقال الأفضل بمصر رسالة العمل بالأصطرلاب، وكتاب " الوجيز " في علم الهيئة، وكتاب " الأدوية المفردة " وكتاباً في المنطق سماه " تقويم الذهن " وكتاباً سماه " الانتصار في الرد على علي بن رضوان " في رده على حنين بن إسحاق في مسائله، ولما صنف " الوجيز " للأفضل عرضه على منجمه أبي عبد الله الحلبي، فلما وقف عليه قال له: هذا الكتاب لا ينتفع به المبتدي ويستغني عنه المنتهي.
    وله من أبيات:
    كيف لا تبلى غلائله ... وهو بدر وهي كتان وإنما قال هذا لأن الكتان إذا تركوه في ضوء القمر بلي. وكان مرضه الاستسقاء، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق