الاثنين، 20 فبراير 2017

أبو علي الفارسي

أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان بن أبان الفارسي النحوي؛ ولد بمدينة فسا واشتغل ببغداد، ودخل إليها سنة سبع وثلثمائة، وكان إمام وقته في علم النحو، ودار البلاد، وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة، وكان قدومه عليه في سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، وجرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس، ثم انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة ابن بويه وتقدم عنده وعلت منزلته حتى قال عضد الدولة: أنا غلام أبي علي الفسوي في النحو، وصنف له كتاب الإيضاح، والتكملة في النحو، وقصته فيه مشهورة.
ويحكى أنه كان يوماً في ميدان شيراز يساير عضد الدولة، فقال له: لم انتصب المستثنى في قولنا: قام القوم إلا زيداً فقال الشيخ: بفعل مقدر، فقال لهك كيف تقديره (2) فقال: أستثني زيداً، فقال له عضد الدولة: هلا رفعته وقدرت الفعل امتنع زيد فانقطع الشيخ، وقال له: هذا الجواب ميداني. ثم إنه لما رجع إلى منزله وضع في ذلك كلاماً حسناً وحمله إليه فاستحسنه، وذكر في كتاب الإيضاح أنه انتصب بالفعل المتقدم بتقوية إلا.
وحكى أبو القاسم ابن أحمد الأندلسي قال (3) : جرى ذكر الشعر بحضرة أبي علي وأنا حاضر، فقال: إني لأغبطكم على قول الشعر، فإن خاطري لا يوافقني على قوله مع تحقيقي العلوم التي هي من مواده، فقال له رجل: فما قلت قط

شيئاً منه قال: ما أعلم أن لي شعراً إلا ثلاثة أبيات في الشيب، وهي قولي:
خضبت الشيب لما كان عيباً ... وخضب الشيب أولى أن يعابا
ولم أخضب مخافة هجر خل ... ولا عيباً خشيت ولا عتابا
ولكن المشيب بدا ذميماً ... فصيرت الخضاب له عقابا

 ويقال إن السبب في استشهاده في باب كان من كتاب " الإيضاح " ببيت أبي تمام الطائي وهو قوله (1) :
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روض الأماني لم يزل مهزولا لم يكن ذلك لأن أبا تمام ممن يستشهد بشعره، لكن عضد الدولة كان يحب هذا البيت وينشده كثيراً، فلهذا استشهد به في كتابه.
ومن تصانيفه كتاب " التذكرة " وهو كبير، وكتاب " المقصور والممدود "، وكتاب " الحجة " في القراءات، وكتاب " الإغفال " فيما أغفله الزجاج من المعاني، وكتاب " العوامل المائة " وكتاب " المسائل الحلبيات " وكتاب " المسائل البغداديات " وكتاب " المسائل الشيرازيات " وكتاب " المسائل القصريات " وكتاب " المسائل العسكرية " وكتاب " المسائل البصرية " وكتاب " المسائل المجلسيات " وغير ذلك (2) .
وكنت رأيت في المنام في سنة ثمان وأربعين وستمائة وأنا يومئذ بمدينة القاهرة كأنني قد خرجت إلى قليوب ودخلت إلى مشهد بها فوجدته شعثاً، وهو عمارة قديمة، ورأيت به ثلاثة أشخاص مقيمين مجاورين، فسألتهم عن المشهد وأنا متعجب لحسن بنائه وإتقان تشييده: ترى هذا عمارة من فقالوا: لا نعلم، ثم قال أحدهم: إن الشيخ أبا علي الفارسي جاور في هذا المشهد سنين عديدة، 
وتفاوضنا في حديثه، فقال: وله مع فضائله شعر حسن، فقلت: ما وقفت له على شعر، فقال: أنا أنشدك من شعره، ثم أنشد بصوت رقيق طيب إلى غاية ثلاثة أبيات، فاستيقظت في أثر الإنشاد ولذة صوته في سمعي، وعلق على خاطري منها البيت الأخير وهو:
الناس في الخير لا يرضون عن أحد ... فكيف ظنك سيموا الشر أو ساموا وبالجملة فهو أشهر من أن يذكر فضله ويعدد، وكان متهماً بالاعتزال (1) . وكانت ولادته في سنة ثمان وثمانين ومائتين. وتوفي يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر، وقيل ربيع الأول، سنة سبع وسبعين وثلثمائة رحمه الله تعالى ببغداد، ودفن بالشونيزي.
والفارسي: لا حاجة إلى ضبطه لشهرته.
ويقال له أيضاً ابو علي الفسوي - بفتح الفاء والسين المهملة وبعدها واو - هذه النسبة إلى مدينة فسا (2) من أعمال فارس، وقد تقدم ذكرها في ترجمة البساسيري.
وقليوب - بفتح القاف وسكون اللام وضم الياء المثناة من تحتها وسكون الواو وبعدها باء موحدة - وهي بليدة صغيرة بينها وبين القاهرة مقدار فرسخين أو ثلاثة ذات بساتين كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق