الاثنين، 27 فبراير 2017

ابن الحجاج الشاعر

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج؛ الكاتب الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره، كان فرد زمانه في فنه، فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة، مع عذوبة الألفاظ وسلامة شعره من التكلف، ومدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء، وديوانه كبير، أكثر ما يوجد في عشر مجلدات، والغالب عليه الهزل، وله في الجد أيضاً أشياء حسنة.
وتولى حسبة بغداد وأقام بها مدة، ويقال: إنه عزل بأبي سعيد 
الإصطخري الفقيه الشافعي، وله في عزله أبيات مشهورة لا حاجة إلى إثباتها ها هنا.
ويقال: إنه في الشعر في درجة امرئ القيس، وإنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد منهما مخترع طريقة.
وقد أفرد أبو الحسن الموسوي المعروف بالرضي من شعره في المديح والغزل وغيرهما ما جانب السخف، وكان شعراً متخيراً حسناً جيداً ومن جيد شعره وجده هذه الأبيات:
يا صاحبي استيقظا من رقدة ... تزري على عقل اللبيب الأكيس
هذي المجرة والنجوم كأنها ... نهر تدفق في حديقة نرجس
وأرى الصبا قد غلست بنسيمها ... فعلام شرب الراح غير مغلس
قوما اسقياني قهوة رومية ... من عهد قيصر دنها لم يمس
صرفا تضيف إذا تسلط حكمها ... موت العقول إلى حياة الأنفس 
وأورد له أيضاً:
نمت بسري في الهوى أدمعي ... ودلت الواشي على موضعي
يا معشر العشاق إن كنتم ... مثلي وفي حالي فموتوا معي وأورد له أيضاً:
يا من إليها من ظلمها الهرب ... ردي فؤادي فقل ما يجب
ردي حياتي إن كنت منصفة ... ثم إليك الرضا أو الغضب
طلبت قلبي فلم أفتك به ... سبحان من لا يفوته الطلب
 ومن شعره:
قال قوم لزمت حضرة حمد ... وتجنبت سائر الرؤساء
قلت ما قاله الذي أحرز المع ... نى قديماً قبلي من الشعراء
" يسقط الطير حيث يلتقط الحب ... وتغشى منازل الكرماء " 
وهذا البيت الثالث لبشار بن برد، وقد ضمنه شعره.
[وأورد له أيضاً في الورد:
جنى في البستان لي وردة ... أحسن من إنجازه وعدي
وقال والوردة في كفه ... من قدح أذكى من الند
اشرب هنيئاً لك يا عاشقي ... ريقي من كفي على خدي ودعي ابن الحجاج إلى دعوة وتأخر عنه الطعام قليلاً فقال:
يا ذاهباً في داره جائياً ... بغير معنى وبلا فائدة
قد جن أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة]  [ومثل هذا ما ذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتاب " الأغاني " قال: دعانا أبو محمد ابن الشاب يوماً ودعا جحظة البرمكي وأطال حبس الطعام جداً، وجاع جحظة فأخذ دواة وقرطاساً وكتب:
ما لي وللشاب وأولاده ... لا قدس الوالد والوالده
قد حفظوا القرآن واستعملوا ... ما فيه إلا سورة المائدة
ورمى بها إلي فقرأتها ودفعتها إلى ابن الشاب فقرأها ووثب مسرعاً وقدم الطعام وأكلنا وانصرفنا وقطعة جحظة بعد ذلك، فكان يجهد جهده في أن يجيبه فلا يفعل، فإذا عاتبناه قال: حتى يحفظ تلك السورة .
وكانت وفاة ابن الحجاج يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة بالنيل، وحمل إلى بغداد، رحمه الله تعالى، ودفن عند مشهد موسى بن جعفر، رضي الله عنه. وأوصى أن يدفن عند رجليه، وأن يكتب على قبره " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ".
وكان من كبار الشعراء الشيعة، ورآه  بعد موته بعض أصحابه في المنام، فسأله عن حاله، فأنشد:
أفسد سوء مذهبي ... في الشعر حسن مذهبي
وحملي الجد على ... ظهر حصان اللعب
لم يرض مولاي علي ... سبي لأصحاب النبي
وقال لي ويحك يا ... أحمق لم لم تتب
من سب قوم من رجا ... آلاءهم لم يخب
رمت الرضا جهلاً بما ... أصلاك نار اللهب]  ورثاه الشريف الرضي بقصيدة من جملتها  :
نعوه على حسن ظني به ... فلله ماذا نعي الناعيان
رضيع ولاء له شعبة ... من القلب مثل رضيع اللبان
وما كنت أحسب أن الزمان ... يفل مضارب ذاك اللسان
بكيتك للشرد السائرات ... تعنق ألفاظها بالمعاني
ليبك الزمان طويلاً عليك ... فقد كنت خفة روح الزمان والنيل - بكسر النون وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام - وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم، والأصل 
فيه نهر حفرة الحجاد بن يوسف في هذا المكان ومخرجه من الفرات وسماه باسم نيل مصر، وعليه قرى كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق