الاثنين، 3 يوليو 2017

مكحول الشامي

    أبو عبد الله مكحول بن عبد الله الشامي، من سبي كابل [ذكره ابن ماكولا في كتاب " الإكمال " في ترجمة شاذل فقال في نسبه: وهو مكحول بن أبي مسلم - واسمه شهراب - ابن شاذل بن سند بن سروان بن بزدك بن يغوب ابن كسرى  .
    قال ابن عائشة: كان مولى لامرأة من قيس، وكان سندياً لا يفصح؛ وقال الواقدي: كان مولى لامرأة من هذيل، وقيل هو مولى سعبد بن العاص، وقيل مولى لبني ليث.
    قال الخطيب  : كان جده شاذل من أهل هراة، فتزوج ابنة ملك من ملوك كابل، ثم هلك عنها وهي حامل، فانصرفت إلى أهلها، فولدت شهراب  فلم يزل في أخواله بكابل حتى ولد له مكحول، فلما ترعرع سبي، ثم وقع إلى سعيد بن العاص فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته.
    وكان معلم الأوزاعي المقدم ذكره في حرف الهمزة وسعيد بن عبد العزيز، قال الزهري: العلماء أربعة، سعيد بن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة، ومكحول بالشام. ولم يكن في زمنه أبصر منه بالفتيا، وكان لا يفتي حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا رأي والرأي يخطئ ويصيب. وسمع أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وأبا هند الداري  وغيرهم، وكان مقامه بدمشق.
    وكان في لسانه عجمة ظاهرة، ويبدل بعض الحروف بغيره، قال نوح بن قيس: سأله بعض الأمراء عن القدر، فقال: أساهر أنا يريد أساحر أنا. وكان يقول بالقدر ورجع عنه، وقال معقل بن عبد الأعلى القرشي: سمعته يقول لرجل: ما فعلت تلك الحاجة يريد الحاجة؛ وهذه العجمة تغلب على أهل السند. 
    يحكى عن أبي عطاء السندي الشاعر (1) المشهور، واسمه مرزوق، وهو من موالي أسد بن خزيمة، أنه كان في لسانه هذه العجمة، فاجتمع حماد الرواية وحماد عجرد الشاعر المقدم ذكرهما (2) وحماد بن الزبرقان النحوي وبكر بن مصعب المزني، في بعض الليالي ليتذاكروا فقالوا: ما بقي شيء إلا وقد تهيأ لنا في مجلسنا هذا، فلو بعثنا إلى أبي عطاء السندي ليحضر عندنا ويكمل به المجلس، فأرسلوا إليه، فقال حماد بن الزبرقان: أيكم يحتال لأبي عطاء حتى يقول: جرادة وزج شيطان وإنما اختار له هذه الألفاظ لأنه كان يبدل من الجيم زاياً ومن الشين سيناً، فقال حماد الراوية: أنا احتال في ذلك، فلم يلبثوا أن جاءهم أبو عطاء فقال لهم: هياكم الله، يريد حياكم الله، فقالوا له: مرهباً مرهبا، يريدون مرحبا مرحبا على لغته، فقالوا له: ألا تتعشى فقال: قد تعسيت، فهل عندكم نبيذ نشرب فقالوا: نعم، فأتوا له بنبيذ فشرب حتى استرخى  فقال له حماد الراوية: يا أبا عطاء، كيف معرفتك باللغز فقال: هسن، يريد حسن، فقال له ملغزاً في جرادة:
    فما صفراء تكنى أم عوف ... كان رجيلتيها منجلان 
    فقال: زرادة، فقال: صدقت، ثم قال ملغزاً في زجٍ:
    فما اسم حديدةٍ في الرمح ترسي ... دوين الصدر ليست بالسنان
    فقال أبو عطاء: زر، فقال حماد: أصبت، ثم قال ملغزاً في مسجد بجوار بني شيطان، وهو بالبصرة:
    أتعرف مسجداً لبني تميم ... فويق الميل دون بني أبان فقال: هو في بني سيطان، فقال: أحسنت، ثم تنادموا وتفاكهوا إلى سحرة في أرغد عيش.
    وهذا أبو عطاء من الشعراء المجيدين، وكان عبداً أخرب، والأخرب: المشقوق الأذن، وله في كتاب الحماسة مقاطيع ناردة، ولولا خشية التطويل والخروج عن المقصود لذكرن جملة من شعره ونوادره.
    وتوفي مكحول المذكور في سنة ثماني عشرة، وقيل ثلاث عشرة، وقيل ست عشرة، وقيل اثنتي عشرة، وقيل أربع عشرة ومائة، رضي الله عنه.
    وكابل: بفتح الكاف وبعد الألف باء موحدة مضمومة ثم لام، وهي ناحية معروفة ببلاد السند.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق