الأربعاء، 22 مارس 2017

ابن صارة الشنتريني

    أبو محمد عبد الله بن محمد بن صارة البكري الأندلسي الشنتريني الشاعر المشهور؛ كان شاعراً ماهراً ناظماً ناثراً، إلا أنه كان قليل الحظ إلا من الحرمان، لم يسعه مكان، ولا اشتمل عليه سلطان، ذكره صاحب " قلائد العقيان "، وأثنى عليه ابن بسام في " الذخيرة " وقال: إنه تتبع  المحقرات، وبعد جهد ارتقى إلى كتابة بعض الولاة، فلما كان من خلع الملوك ما كان أوى إلى إشبيلية أوحش حالاً من الليل، وأكثر انفراداً من سُهيل، وتبلّغ بالوراقة وله منها جانب، وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخاوّ طريقها، وفيها يقول:
    أما الوراقةُ فهي أيكةُ حرفةٍ ... أوراقها وثمارها الحرمانُ
    شبَّهت صاحبها بصاحب إبرةٍ ... تكسو العراة وجسمها عريانُ
    وله  :
    ومعذّرٍ رقت حواشي حسنه ... فقلوبنا وجداً عليه رقاقُ
    لم يكسو عارضه السوادُ وإنما ... نفضت عليه سوادها الأحداقُ 
    وله في غلام أزرق العين:
    ومهفهفٍ أبصرت في أطواقه ... قمراً بآفاق المحاسن يشرقُ
    تقضي على المهجات منه صعدةٌ ... متألقٌ فيها سنانٌ أزرقُ وهذا كقول السلامي:
    أعانق من قده صعدةً ... ترى اللخط منها مكان السنانِ ومن ها هنا أخذ النبيه المصري قوله:
    أسمر كالرمح له مقلةٌ ... لو لم تكن كحلاء كانت سنان وأورد له صاحب كتاب " الحديقة ":
    أسنى ليالي الدهر عني ليلةٌ ... لم أخل فيها الكأس من إعمال
    فرّقت فيها بين جفني والكرى ... وجمعت بين القرط والخلخال وقال غيره: هذان البيتين لصالح الهزيل الإشبيلي، والله أعلم.
    وله في الزهد:
    يا من يصيخ إلى داعي السفاه وقد ... نادى به الناعيان: الشَّيب والكبر
    إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثوى ... في رأسك الواعيان: السمع والبصر
    ليس الأصم ولا الأعلى سوى رجلٍ ... لم يهده الهاديان: العين والأثر
    لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك ال ... أعلى ولا النيران: الشمس والقمر
    ليرحلن عن الدنيا وإن كرها ... فراقها الثاويان: البدو والحضر وله:
    وصاحب لي كداء البطن صحبته ... يودني كوداد الذئب للراعي
    يثني عليَّ جزاه الله صالحةً ... ثناء هندٍ على روح بن زنباع قوله " ثناء هند على روح بن زنباع ": هذه هند بنت النعمان ابن بشير الأنصاري رضي الله عنه. وكان روح بن زنباع الجذامي صاحب عبد الملك بن مروان  قد تزوَّجها وكانت تكرهه، وفيه تقول  :
    وهل هند إلا مهرةٌ عربيةٌ ... سليلة أفراسٍ تحلَّلها بغلُ
    فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى ... وإن يك إقرافٌ فما أنجب الفحلُ
    ويروى " فمن قبل الفحل " وهو إقواء؛ ويروى هذان البيتان لأختها حميدة بنت النعمان، وإلإقراف: أن تكون الأم عربية والأب ليس كذلك، والهجنة خلاف ذلك بأن يكون الأب عربياً والأم خلاف ذلك.
    وله ديوان شعر أكثره جيد، وكانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة بمدينة المرية من جزيرة الأندلس وقد تقدم ذكرها.
    ويقال في اسم جده: صارة وسارة، بالصاد والسين المهملتين.
    والشَّنتريني: بفتح الشين المعجمة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوقها وكسر الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، وهذه النسبة إلى شنترين  ، وهي بلدة في غرب جزيرة الأندلس أيضاً، رحمه الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق