الجمعة، 24 مارس 2017

عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

    أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان الخزاعي؛ - تقدم ذكر أبيه وجده وما كانا عليه من التقدم وعلو المنزلة عند المأمون، وتوليتهما خراسان وغيرها - وكان عبيد الله المذكور أميراً، ولي الشرطة ببغداد خلافةً عن أخيه محمد بن عبد الله، ثم استقل بها بعد موت أخيه، وكان سيداً، وإليه انتهت رياسة أهله، وهو آخر من مات منهم رئيساً ولهم من الكتب المصنفة كتاب " الإشارة في أخبار الشعراء " وكتاب " رسالة في السياسة الملوكية " وكتاب مراسلاته لعبد الله بن المعتز، وكتاب " البراعة والفصاحة " (2) وغير ذلك. وحدّث عن الزبير بن بكار وغيره، وكان مترسلاً شاعراً لطيفاً حسن المقاصد جيد السبك رقيق الحاشية.
    ومن شعره، ثم وجدتها لأبي الطريف شاعر المعتمد الخليفة العباسي وزعم الصولي أن البحتري أنشده هذه الأبيات لنفسه، والله أعلم  ، وهي:
    أتهجرون فتى أغري  بكم تيها ... لحقُّ دعوة صبٍّ أن تجيبوها
    أهدى إليكم على نأيٍ تحيته ... حيُّوا بأحسن منها أو فردُّوها
    زمُّوا المطايا غداة البين واحتملوا ... وخلَّفوني على الأطلال أبكيها
    شيَّعتهم فاسترابوا بي فقلت لهم ... إني بعثت مع الأجمال أحدوها
    قالوا فما نفسٌ يعلو كذا صعدا ... وما لعينك لا ترقا مآقيها
    قلت التنفّس من إدمان سيركم  ... ودمع عيني جارٍ من قذىً فيها
    حتى إذا انجذبوا والليل معتكر ... رفعت في جنحه صوتي أناديها
    يا من به  أنا هيمانٌ ومختبلٌ ... هل لي إلى الوصل  من عقبى أُرجيها [ومن شعره ما ذكره ابن رشيق في كتاب " " العمدة " " في باب الاستطراد، فقال: ومن الإستطراد نوع يسمى الإدماج، ونحو ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لعبيد الله بن سليمان بن وهب حين وزر للمعتضد:
    أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا في من نحبُّ ونكرم
    فقلت له نعماك فينا أتمها ... ودع أمرنا إن المهمَّ المقدَّم ومن شعره:
    واحربا من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون
    والأسد والمزن والرواسي ... والأمن والخفض والسكون
    لم تتنكر لنا الليالي ... حتى توفَّتهم المنون
    فكلُّ نارٍ لنا قلوب ... وكلُّ ماء لنا عيون وله:
    إن الأمير هو الذي ... يضحي أميراً يوم  عزله
    إن زال سلطان الولا ... ية لم يزل سلطان فضله  
    وله:
    اقضي الحوائج ما استطع ... ت وكن لهمِّ أخيك فارج
    فلخير أيام الفتى ... يومٌ قضى فيه الحوائج 
    وله ديوان شعر ونقتصر من نظمه على هذا القدر.
    وكان عبيد الله قد مرض فعاده الوزير، فلما انصرف عنه كتب إليه:
    " ما اعرف أحداً جزى العلة خيراً غيري، فإني جزيتها الخير، وشكرت نعمتها علي، إذ كانت إلى رؤيتك مؤدية، فأنا كالأعرأبي الذي جزَّى يوم البين خيراً فقال:
    جزى الله يوم البين خيراً فإنه ... أرانا على علاَّته أمَّ ثابت
    أرانا ربيبات الخدور، ولم نكن ... نراهنَّ إلا بانتعات النواعت " قلت: ومثل هذا ما كتبه البحتري إلى أبي غانم وقد مرض فعاده الوزير، وهو قوله  :
    يا أبا غانمٍ غنمت ولا زا ... لت عهاد الوسمي تسقي بلادك
    ليت أنا مثل اعتلالك نعت ... ل على أن يعودنا من عادك
    أبهجت زورة الوزير أودا ... ك جميعاً وأرغمت حسادك وكانت ولادته سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وكانت وفاته ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلثمائة ببغداد، ودفن بمقابر قريش، رحمه الله تعالى.
    وتوفي الأمير أبو القاسم عبيد الله بن سليمان سنة ثمان وثمانين ومائتين، 
    وعمره اثنتان وستون سنة، وكانت وزارته عشر سنين وخمسين يوما .
     ولما مات أخوه سليمان بن عبد الله بن طاهر  في سنة خمس وستين ومائتين وقف أخوه عبيد الله المذكور على قبره متكئاً على قوسه ونظر إلى قبور أهله، وأنشد:
    النفس ترقى بحزن في تراقيها ... ودمعة العين تجري من مآقيها
    لبقعة ما رأت عيني كقلتها ... ولا ككثرة أحباب ثووا فيها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق