الأربعاء، 22 مارس 2017

البطليوسي

    أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي النحوي؛ كان عالماً بالآداب واللغات متبحراً فيهما مقدماً في معرفتهما وإتقانهما، سكن مدينة بلنسية، وكان الناس يجتمعون إليه ويقرأون عليه ويقتبسون منه، وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطأ، ألف كتباً نافعة ممتعة منها: كتاب " المثلث " في مجلدين، اتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم، فإن " مثلث " قطرب في كراسة واحدة، واستعمل فيها الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعضه. وله كتاب " الاقتضاب في شرح أدب الكتَّاب " - وقد ذكرته في ترجمة عبد الله بن قتيبة - وشرح " سقط الزند " لأبي العلاء المعري شرحاً استوفى فيه المقاصد، وهو أجود من شرح أبي العلاء صاحب الديوان الذي سماه " ضوء السقط "، وله كتاب في الحروف الخمسة، وهي: السين والصاد والضاد والطاء والذال، جمع فيه كل غريب، وله كتاب " الحلل في شرح أبيات الجمل " و " الخلل في أغاليط الجمل " (2) أيضاً، وكتاب " التنبيه على الأسباب الموجبة لإختلاف الأمة " وكتاب " شرح الموطأ "، وسمعت أن له شرح ديوان المتنبي، ولم أقف عليه، وقيل أنه لم يخرج من المغرب، وبالجملة فكل شيء يتكلم فيه فهو في غاية الجودة، وله نظم حسن، فمن ذلك قوله:
    أخو العلم حيٌّ خالدٌ بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم 
    وذو الجهل ميت وهو ماشٍ على الثرى ... يظن من الأحياء وهو عديم
    له في طول الليل  :
    ترى ليلنا شابت نواصيه كبرة ... كما شبت أم في الجو روض بهار
    كأن الليالي  السبع في الجو جمعت ... ولا فصل فيما بينها لنهار وله من أول قصيد يمدح بها المستعين بن هود (3) :
    هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا ... بأقمار أطواق مطالعها بانُ
    لئن غادروني باللوى إن مهجتي ... مسايرةٌ أظعانهم حيثما كانوا
    سقى عهدهم بالخيف عهد غمائم ... ينازعها مزنٌ من الدمع هتان
    أأحبابنا هل ذلك العهد راجعٌ ... وهل لي عنكم أخر الدهر سلوان
    ولي مقلةٌ عبرى وبين جوانحي ... فؤاد إلى لقياكم الدهر حنان
    تنكرت الدنيا لنا بعد بعدكم ... وحلت بنا من معضل الخطب ألوان ومن مديحها  :
    رحلنا سوام الحمد عنها لغيرها ... فلا ماؤها صدا ولا النبت سعدان
    إلى ملك حاباه بالحسن يوسف ... وشاد له البيت الرفيع سليمان
    من النفر الشم الذين أكفهم ... غيوث ولكن الخواطر نيران
    وهي طويلة ونقتصر منها على هذا القدر.
    ومولده في سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمدينة بطليوس وتوفي في منتصف رجب سنة إحدى وعشرين وخمسمائة بمدينة بلنسية، رحمه الله تعالى.
    والسيد: بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، وهو من جملة أسماء الذئب سمي الرجل به.
    والبطليوسي : بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الواو وبعدها سين مهملة. وبلنسية (2) : بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر السين المهملة وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها هاء ساكنة، هاتان المدينتان بجزيرة الأندلس خرج منهما جماعة من العلماء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق