الجمعة، 24 مارس 2017

أبو الحكم المغربي

    أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله بن محمد الباهلي، الحكيم  الأديب المعروف بالمغربي؛ أصله من أهل المرية بالأندلس - وتقدم ذكرها - ومولده ببلاد اليمن. ذكر أبو شجاع محمد بن علي بن الدهان الفرضي - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - في تاريخ جمعه أن أبا الحكم المذكور قدم بغداد وأقام بها مدة يعلم الصبيان، وأنه كان ذا معرفة بالأدب والطب والهندسة؛ انتهى كلام أبي شجاع وذكر مولده ووفاته. وقال غيره: كان كامل الفضيلة، جمع بين الأدب والحكمة، وله ديوان شعر جيد، والخلاعة والمجون غالبة عليه.
    وذكر العماد الأصبهاني في " الخريدة " أن أبا الحكم المذكور كان طبيب 
    البيمارستان الذي كان يحمله أربعون جملاً المستصحب في معسكر  السلطان محمود السلجوقي حيث خيم، وكان السديد أبو الوفاء يحيى بن سعيد بن يحيى المظفر المعروف بابن المرخم  الذي صار أقضى القضاة ببغداد في أيام الأمام المقتفي فاصداً وطبيباً في هذا البيمارستان، ثم إن العماد أثنى على أبي الحكم المذكور، وذكر فضله وما كان عليه، وذكر أن له كتاباً سماه " نهج الوضاعة لأولي الخلاعة ". ثم إن أبا الحكم المذكور انتقل إلى الشام وسكن دمشق، وله فيها أخبار وماجرايات ظريفه تدل على خفة روحه.
    رأيت في ديوانه أن أبا الحسين أحمد بن منير الطرابلسي - المقدم ذكره في حرف الهمزة  - كان عند الأمراء بني منقذ بقلعة شيزر، وكانوا مقبلين عليه، وكان بدمشق شاعر يقال له أبو الوحش سبع بن خلف بن محمد بن هبة الله الفقعسي، وكانوا يصغرون كنيته فيقولون " وحيش "  وكانت فيه دعابة، وبينه وبين أبي الحكم مودة وألفة متحدة، فعزم أبو الوحش أن يتوجه إلى شيزر يمدح بني منقذ ويسترفدهم، فالتمس من أبي الحكم المذكور كتاباً إلى ابن منير بالوصية عليه، فكتب أبو الحكم:
    أبا الحسين استمع مقال فتىً ... عوجل فيما يقول فارتجلا
    هذا أبو الوحش جاء ممتدح ال ... قوم فنوه به إذا وصلا
    واتل عليهم بحسن شرحك ما ... أتلوه من حديثه (5) جملا
    وخبر القوم أنه رجل ... ما أبصر الناس مثله رجلا
    تنوب عن وصفه شمائله ... لا يبتغي عاقل به بدلا
    وهو على خفة به أبداً ... معترف أنه من الثقلا
    يمت بالثلب والرقاعة والس ... خف، وأما بما سواه فلا
    إن أنت فاتحته لتخبر ما ... يصدر عنه فتحت منه خلا
    فسمه إن حل خطة الخسف وال ... هونِ ورحب به إذا رحلا
    وسقه السم إن ظفرت به ... وأمزج له من لسانك العسلا
    وله أشياء مستملحة، منها مقصورة هزلية ضاهى بها مقصورة ابن دريد، من جملتها:
    وكل ملموم فلابد له ... من فرقة لو لزقوه بالغرا وله مرثية في عماد الدين زنكي بن آق سنقر الأتابك - المقدم ذكره  - شاب فيها الجد بالهزل والغالب على شعره الانطباع.
    وكانت ولادته في سنة ست وثمانين وأربعمائة باليمن، على ما حكاه ابن الدبيثي في ذيله. وتوفي ليلة الأربعاء رابع  ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وقال ابن الدبيثي: توفي لساعتين خلتا من ليلة الأربعاء سادس ذي القعدة بدمشق، وهو الأصح، ودفن بباب الفراديس، رحمه الله تعالى.
    ) والقاضي ابن المرخم المذكور هو الذي يقول فيه أبو القاسم هبة الله ابن الفضل الشاعر المعروف بابن القطان - الآتي ذكره  إن شاء الله تعالى -:
    يا ابن المرخم صرت فينا قاضياً ... خرف الزمان تراه أم جن الفلك
    إن كنت تحكم بالنجوم فربما ... أما بشرع محمدٍ من أين لك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق