الجمعة، 17 مارس 2017

ظافر الحداد

    أبو المنصور ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني الجذامي الإسكندراني المعروف بالحداد الشاعر المشهور؛ كان من الشعراء المجيدين وله ديوان شعر أكثره جيد، ومدح جماعة من المصريين، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وغيره من الأعيان. ومن مشهور شعره قوله  :
    لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ما سح وابل دمعه ورذاذه
    ما زال جيش الحب  يغزو قلبه ... حتى وهى وتقطعت أفلاذه
    لم يبق فيه مع  الغرام بقية ... إلا رسيس يحتويه جذاذه
    من كان يرغب في السلامة فليكن ... أبداً من الحدق المراض عياذه
    لا تخدعنك بالفتور فإنه ... نظر يضر بقلبك استلذاذه
    يا أيها الرشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حب القلوب نفاذه
    در يلوح بفيك من نظامه ... خمر يجول عليه من نباذه
    وقناة ذاك القد كيف تقومت ... وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه
    رفقاً بجسمك لا يذوب فإنني ... أخشى بأن يجفو عليه لاذه (5)
    هاروت يعجز عن مواقع سحره ... وهو الإمام فمن ترى أستاذه
    تالله ما علقت محاسنك امرءاً ... إلا وعز على الورى استنقاذه
    أغريت حبك بالقلوب فأذعنت ... طوعاً وقد أودى بها استحواذه
    ما لي أتيت الحظ من أبوابه ... جهدي فدام نفوره ولواذه
    إياك من طمع المنى فعزيزه ... كذليله وغنيه شحاذه منها:
    ذالية ابن دريد استهوى بها ... قوماً غداة نبت به بغداذه
    دانوا لزخرف قوله فتفرقت ... طمعاً بهم صرعاه أو جذاذه
    من قدر الرزق السني لك أنما ... قد كان ليس يضره إنفاذه  وهذه القصيدة من غرز القصائد. والعجب أني رأيت صاحبنا عماد الدين أبا المجد إسماعيل المعروف بابن باطيش الموصلي قد ذكر هذه الأبيات في كتابه " المغني " الذي وضعه على كتاب " المهذب " في الفقه، وفسر فيه غريبه، وتكلم على أسماء رجاله، فلما انتهى إلى ذكر أبي بكر محمد بنا لحداد المصري الفقيه الشافعي وشرح طرفاً من حاله قال بعد ذلك: وكان مليح الشعر، أنشدني بعض الفقهاء أبياتاً من قصيدة عزاها إليه، وذكر بعض هذه الأبيات المكتتبة (2) ها هنا، وما أوقعه في هذا إلا كون ظافر يعرف بالحداد، والفقيه ابن الحداد، بجمعتهما لفظة الحداد، فمن ها هنا حصل الالتباس  .
    ومن شعره أيضاً :
    رحلوا فلولا أنني ... أرجو الإياب قضيب نحبي
    والله ما فارقتهم ... لكنني فارقت قلبي وذكر العماد الكاتب في " الخريدة " هذين البيتين للعيني  ، ثم قال: كان العيني من الأجناد الأكياس، مذكوراً بالباس. وتوفي سنة ست وأربعين وخمسمائة. والصحيح أنهما لظافر الحداد، وذكرهما في " الخريدة " في ترجمة ظافر الحداد أيضاً  .
    وله من جملة قصيد:
    يذم المحبون الرقيب وليت لي ... من الوصل ما يشخى عليه رقيب وكانت وفاته بمصر في المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وقد تقدم الكلام على الجذامي  .
    [وله أيضاً من الشعر في كرسي النسخ  :
    انظر بعينك في بديع صنائعي ... وعجيب تركيبي وحكمة صانعي
    فكأنني كفا محب شبكت ... يوم الفراق أصابعاً بأصابع وذكره علي بن ظافر بن منصور في كتاب " بدائع البدائه " وأثنى عليه، وأورد فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب كان في الحكم بثغر الاسكندرية المحروس، قال: دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته للثغر، فوجدته يقطر دهناً على خنصره، فسألته عن سببه، فذكر ضيق خاتمه عليه وأنه ورم بسببه، فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر فيه، فقال: اختر من يصلح لذلك، فاستدعيت أبا المنصور ظافر بن القاسم الحداد المذكور، فقطع الحلقة، وأنشد بديهاً :قصر عن أوصافك العامل ... وكثر الناثر والناظم
    من يكن البحر له راحة ... يضيق عن خنصره الخاتم
    فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة، وكانت من ذهب. وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس، وقد ربض وجعل رأسه في حجره، فقال ظافر بديهاً:
    عجبت لجرأة هذا الغزال ... وأمر تخطى له واعتمد
    وأعجب به إذا بدا جاثِماً ... وكيف اطمأن وأنت الأسد فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان. وتأمل ظافر شيئاً كان على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال:
    رأيت ببابك هذا المنيف ... شباكاً فأدركني بعض شك
    وفكر فيما رأى خاطري ... فقلت البحار مكان الشبك ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته، رحمه الله تعالى وغفر له

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق