الأربعاء، 29 مارس 2017

ابن نباتة الشاعر

    أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجاج بن مطر بن خالد بن عمرو بن رزاح بن رياح بن سعد بن ثجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر، التميمي السعدي، وبقية النسب معروف؛ كان شاعراً مجيداً، جمع بين حسن السبك وجودة المعنى، طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء، وله في سيف الدولة بن حمدان غر القصائد ونخب المدائح، وكان قد أعطاه فرساً أدهم أغر محجلاً فكتب إليه:
    يا أيها الملك الذي أخلاقه ... من خلقه ورواؤه من رائه
    قد جاءنا الطرف الذي أهديته ... هاديه يعقد أرضه بسمائه
    أولايةً وليتنا فبعثته ... رمحاً سبيب العرف عقد لوائه
    نحتل منه على أغر محجل ... ماء الدياجي قطرةٌ من مائه
    فكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه
    متمهلاً والبرق من أسمائه ... متبرقعاً والحسن من أكفائه
    ما كانت النيران يكمن حرها ... ولو كان للنيران بعض ذكائه
    لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه
    لا يكمل الطرف المحاسن كلها ... حتى يكون الطرف من أسرائه
    وهذا المعنى الذي وقع له في صفة الغرة والتحجيل في غاية الإبداع، وما أظنه سبق إليه. وله في سيف الدولة أيضاً قصيدة لامية طويلة ومن جملة أبياتها قوله:
    قد جدت لي باللها حتى ضجرت بها ... وكدت من ضجري أثني على البخل
    إن كنت ترغب في أخذ النوال لنا ... فاخلق لنا رغبة أو لا فلا تنل
    لم يبقٍ جودك لي شيئاً أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا أمل
    وهذا المعنى فيه إلمام بقول البحتري ، أعني البيت الأول:
    إني هجرتك إذ هجرتك وحشةً ... لا العود يذهبها ولا الإبداء
    أخجلتني  بندى يديك فسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء
    وقطعتني بالجود حتى إنني ... متخوفٌ أن لا يكون لقاء
    صلةٌ غدت في الناس وهي قطيعة ... عجب وبر راح وهو جفاء
    وفي معناه أيضا قول دعبل بن علي الخزاعي المقدم ذكره يمدح المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي أمير مصر  :
    زمني بمطلب سقيت زمانا ... ما كنت إلا روضةً وجنانا
    كل الندى إلا ندا ك تكلفٌ ... لم أرض بعدك كائناً من كانا
    أصلحتني بالبر بل أفسدتني ... وتركتني أتسخط الإحسانا وهو معنى مطروق تداولته الشعراء، وأكثرت استعماله، فمنهم من يستوفيه ومنهم من يقصر فيه، وكتب به علي بن جبلة المعروف بالعكوك - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - إلى أبي دلف العجلي في أبيات رائية، ولولا خوف الإطالة لذكرتها، وما ألطف قول أبي العلاء المعري فيه:
    لو اختصرتم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر
    رجعنا إلى ذكر أبي نصر المذكور:
    ومعظم شعره جيد، وله ديوان كبير، وكان قد وصل إلى مدينة الري، وامتدح أبا الفضل محمد بن العميد وجرى بينهما مفاوضة يأتي شرحها في ترجمته إن شاء الله تعالى.
    وكانت ولادته في سنة سبع وعشرين وثلثمائة، وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس ثالث شوال سنة خمس وأربعمائة ببغداد، ودفن قبل الظهر في مقبرة الخيزران من الجانب الشرقي، رحمه الله تعالى.
    ونباتة: بضم النون كما تقدم في جد الخطيب ابن نباتة.
    وثجير: بضم الثاء المثلثة وفتح الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها راء.
    وبقيت الأسماء معروفة (2) .
    قال أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل: دخلت على أبي الحسن محمد بن علي بن نصر البغدادي صاحب الرسائل وصاحب كتاب " المفاوضة " - قلت: وهو أخو القاضي عبد الوهاب المالكي، وسيأتي ذكرهما في ترجمة عبد الوهاب إن شاء الله تعالى - قال: وكان في مرض موته بواسط، فقعدت عنده قليلاً ثم قمت لأنه كان به قيام، فأنشدني بيت أبي نصر عبد العزيز وهو:
    متع لحاظك من خلٍ تودعه ... فما إخالك بعد اليوم بالوادي
    ثم قال لي أبو الحسن المذكور: عدت أبا نصر ابن نباتة في اليوم الذي توفي فيه فأنشدني هذا البيت، وودعته وانصرفت، فأخبرت في طريقي أنه توفي، قال الشيخ أبو غالب: وفي تلك الليلة توفي أبو الحسن المذكور، وقد ذكرت تاريخ ذلك في ترجمة عبد الوهاب [المالكي] 
    وقال أبو علي محمد بن وشاح بن عبد الله: سمعت أبا نصر ابن نباتة يقول: كنت يوما قائلاً في دهليزي، فدق عليه الباب، فقلت: من فقال: رجلٌ من أهل المشرق، فقلت: ما حاجتك فقال: أنت القائل:
    ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والداء واحد فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك فقلت: نعم، فمضى، فلما كان أخر النهار دق عليه الباب، فقلت: من قال رجل من أهل تاهرت من الغرب، ما حاجتك فقال: أنت القائل:
    ومن لم يمت بالسيف ما بغيره ... وتنوعت الأسباب والداء واحد
    فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك فقلت: نعم، وعجبت  كيف وصل إلى الشرق والغرب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق