الجمعة، 30 نوفمبر 2018

مؤرج السدوسي

أبو فيد مؤرج بن عمرو بن الحارث بن ثور بن حرملة بن علقمة بن عمرو بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة، السدوسي النحوي البصري؛ أخذ العربية عن الخليل بن أحمد، وروى الحديث عن شعبة بن الحجاج وأبي عمرو ابن العلاء وغيرهما، وكان يقول: قدمت من البادية ولا معرفة لي بالقياس في العربية، وإنما كانت معرفتي قريحة، وأول ما تعلمت القياس في حلقة أبي زيد الأنصاري بالبصرة.
ودخل الأخفش سعيد على محمد بن المهلب، فقال له محمد: من أين جئت فقال الأخفش: من عند القاضي يحيى بن أكثم، قال: فما جرى عنده قال: سألني عن الثقة المأمون المقدم من أصحاب الخليل بن أحمد من هو ومن الذي كان يوثق بعلمه فقلت: النضر بن شميل وسيبويه مؤرج السدوسي.
وكان الغالب على مؤرج المذكور اللغة والشعر، وله عدة تصانيف: منها كتاب الأنواء وهو كتاب حسن، وكتاب " غريب القرآن " وكتاب جماهير القبائل وكتاب المعاني وغير ذلك، واختصر نسب قريش في مجلد لطيف سماه " حذف نسب قريش (2) ".
وكان قد رحل مع المأمون من العراق إلى خراسان، وسكن مدينة مرو، وقدم نيسابور وأقام بها وكتب عنه مشايخها، وكان له شعر، فمن ذلك مما أنشده هارون بن علي بن يحيى المنجم في كتابه المسمى ب " البارع "، وهو:
روعت بالبين حتى ما أراع له ... وبالمصائب من أهلي وجيراني
لم يترك الدهر لي علقاً أضن به ... إلا اصطفاه بنأيٍ أو بهجران ثم قال ابن المنجم المذكور: وهذان البيتان من أملح ما قيل في معناهما، ومثلهما في معناهما لبعض المحدثين:
وفارقت حتى ما أروع من النوى ... وإن غاب جيران علي كرام
فقد جعلت نفسي على اليأس تنطوي ... وعيني على هجر الصديق (1) تنام ومن هاهنا أخذ ابن التعاويذي المقدم ذكره قوله:
وها أنا لا قلبي يراع لفائت ... فيأسى ولا يلهيه حظ فيفرح وهذا البيت من جملة قصيدة يذكر فيها توجعه لذهاب بصره، فمنها قوله مشيراً إلى زوجته (2) :
وباكية لم تشك فقداً ولا رمى ... بجيرتها الأدنين نأي مطوح
رمتها يد الأيام في ليث غابها ... بفادح خطبٍ والحوادث تفدح
رأت جللاً لا الصبر يجمل بالفتى ... على مثله يوماً، ولا الحزن يقبح
فلا غرو أن تبكي الدماء لكاسب ... لها كان يسعى في البلاد ويكدح
عزيز عليهما أن تراني جاثماً ... وما لي في الأرض البسيطة مسرح
وأن لا أقود العيش تنفح في البرى ... وجرد المذاكي في الأعنة تمرح
أظل حبيساً في قرارة منزل ... رهين أسى أمسى عليه وأصبح
مقامي منه مظلم الجو قاتم ... ومسعاي ضنك وهو صمحان أفيح
أقاد به قود الجنيبة مسمحاً ... وما كنت لولا غدرة الدهر أسمح
كأني ميت لا ضريح لجنبه ... وما كل ميت لا أبالك يضرح
وها أنا لا قلبي يراع لفائت ... فيأسى، ولا يلهيه خظ فيفرح
فلله نصل فل مني غراره ... وعود شباب عاد وهو مصوح
وسقياً لأيام ركبت بها الهوى ... جموحاً ومثلي في هوى الغيد يجمح
وماضي صبا قضيت منه لبانتي ... خلاساً وعين الدهر زرقاء تلمح
ليالي لي عند الغواني مكانة ... فألحاظها ترنو إلي وتطمح
وليلى بها أضعاف ما بي من الهوى ... أعرض بالشكوى لها فتصرح وهي طويلة طنانة يمدح بها الإمام الناصر لدين الله خليفة بغداد.
وقال المزرباني: وجدت بخط محمد بن العباس اليزيدي ما مثاله: أهدى أبو فيد مؤرج السدوسي إلى جدي محمد بن أبي كساء، فقال جدي فيه يمدحه:
سأشكر ما أولى ابن عمرو مؤرج ... وأمنحه حسن الثناء مع الود
أغر سدوسي نماه إلى العلى ... أب كان صباً بالمكارم والمجد
أتينا أبا فيد نؤمل سيبه ... ونقدح زنداً غير كابٍ ولا صلد
فأصدرنا بالري والبذل واللهى ... وما زال محمود المصادر والورد
كساني ولم أستكسه متبرعاً ... وذلك أهنى ما يكون من الرفد
كسانيه فضفاضاً إذا ما لبسته ... تروحت مختالاً وجرت عن القصد
كساء جمال إن أردت جمالة ... وثوب شتاء إن خشيت من البرد
ترى حبكاً فيه كأن اطرداها ... فرند حديث صقله سل من غمد
سأشكر ما عشت السدوسي بره ... وأوصي بشكرٍ للسدوسي من بعدي وأخبار مؤرج كثيرة.
وقال ابن النديم : وجدت بخط عبد الله بن المعتز: مؤرج بن عمرو السدوسي كان من أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة خمس وتسعين ومائة، في اليوم الذي توفي فيه أبو نواس، وهذا يستقيم على قول من ذهب إلى أن أبا نواس توفي سنة خمس وتسعين ومائة، وقد سبق الخلاف فيه.
ورأيت في كتاب الأنوار في أوله ما مثاله، قال أبو علي إسماعيل بن يحيى بن المبارك اليزيدي: قرأنا هذا الكتاب على المؤرج بجرحان ثم قدمنا مع المأمون العراق، سنة أربع ومائتين، فخرج المؤرج إلى البصرة ثم مات بها رحمه الله تعالى. وهذا خلاف للأول، والله أعلم بالصواب. وأما المؤرج فلا خلاف أنه مات في هذه السنة. وقد ذكره ابن قتيبة في كتاب المعارف (1) وغيره. وفيد: بفتح الفاء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، وهو في الأصل ورد الزعفران، وقيل هو الزعفران بعينه.
ومؤرج: بضم الميم وفتح الواو المهموزة وكسر الراء المشددة وبعدها جيم، وهو اسم فاعل من قولهم أرجت بين القوم إذا أغريت بينهم.
وقد تقدم الكلام على السدوسي في ترجمة قتادة في حرف القاف  .
وقيل: إن اسمه مرثد، ومؤرج لقب له، ومرثد: بفتح الميم والثاء المثلثة وراء ساكنة وفي الآخر دال مهملة، قال الجوهري في كتاب الصحاح  : يقال رثدت المتاع: نضدته ووضعت بعضه على بعض أو إلى جنب بعض، ثم قال بعد ذلك: تركت بني فلان مرتثدين ما تحملوا بعد، أي ناضدين متاعهم، قال ابن السكيت: ومنه اشتق مرثد، وهو اسم رجل، والمرثد اسم من أسماء الأسد (4) . وكان مؤرج يقول: اسمي وكنيتي غريبان، اسمي مؤرج، والعرب تقول أرجت بي القوم وأرشت (5) وأنا أبو فيد، والفيد: ورد الزعفران (6) ، ويقال: فاد الرجل يفيد فيداً، إذا مات، والله أعلم بالصواب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق