الخميس، 7 يناير 2021

مهيار الديلمي

ابو الحسن مهيار بن مروزيه الكاتب الفارسي الديلمي الشاعر المشهور؛ كان مجوسياً فأسلم، ويقال إن سلامه كان على يد الشريف الرضي أبي الحسن محمد الموسوي - المقدم ذكره - وهو شيخه، وعليه تخرج في نظم الشعر، وقد وازن كثيراً من قصائده. وذكر شيخنا ابن الأثير الدزري في تاريخه  أنه أسلم في سنة أربع وتسعين وثلثمائة، فقال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار قد انتقلت بأسوبك في النار من زاوية إلى زاوية، فقال: وكيف ذاك قال: كنت مجوسياً فصرت تسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعرك.
وكان شاعراً جزل القول، مقدماً على أهل وقته، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده.
ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد وأثنى عليه وقال: كنت أراه يحضر جامع المنصور في أيام الجمعات، يعني ببغداد، ويقرأ عليه ديوان شعره ولم يقدر لي أسمع منه شيئاً.
وذكره أبو الحسن الباخرزي - المقدم ذكره - في كتاب دمية القصر فقال في حقه: هو شاعر، له مناسك الفضل مشاعر، وكاتب، تجلى تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت، يتحكم عليه لو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب؛ ثم عقب هذا الكلام بذكر مقاطيع من شعره وأبيات من جملة قصائده.
وذكره أبو الحسن علي بن بسام في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئاً من شعره. ومن نظمه المشهور قصيدته التي أولها  :

سقى دارها بالرقمتين وحياها ... ملث يحيل الترب في الدار أموالها ومنها:

وكيف بوصل الحبل من أم مالك ... وبين بلادينا زرود وحبلاها

يراها بعين الشوق قلبي على النوى ... فيحظى، ولكن من لعيني برؤياها

فلله ما أصفى وأكدر حبها ... وأبعدها مني الغداة وأدناها

إذا استوحشت عيني أنست بأن أرى ... نظائر تصبيني إليها وأشباها

وأعتنق الغصن الرطيب لقدها ... وأرشف ثغر الكأس أحسبه فاها

ويوم الكئيب استرشقت لي ظبية ... مولهة قد ضل بالقاع خشفاها

يدله خوف الثكل حبة قلبها ... فتزداد حسناً مقلتاها وليتاها

فما ارتاب طرفي فيك يا أم مالك ... على صحة التشبيه أنك إياه

إن لم تكوني خدها وجبينها ... فإنك أنت الجيد أو أنت عيناها

ألومه في حب دار عزيزة  ... يشق على رجم المطامع مرماها

دعوه ونجداً إنها شأن قلبه ... فلو أن نجداً تلعة ما تعداها

وهبكم منعتم أن يراها بعينه ... فهل تمنعون القلب أن يتمناها

وليل بذات الأثل قصر طوله ... سرى طيفها، آها لذكرته آها

تخطت إلي مشياً على الهوى ... وأخطاره، لا يصغر الله ممشاها

وقد كاد أسداف الدجى أن تضلها ... فما دلها إلا وميض ثناياها 
وله من أبيات  :

إن التي علقت قلبك حبها ... راحت بقلب منك غير علوق

عقدت ضمان وفائها من خصرها ... فوهى، كلا العقدين غير وثيق ومن سائر شعره أيضاً قوله رحمه الله تعالى (3) :

بكر العارض تحدوده النعامي ... فساقك الري يا دار أماما

[وتمشت فيك أنفاس الصبا ... يتناجين بأنفاس الخزامى

وبجرعاء الحمى قلبي فعج ... بالحمى واقرأ على قلبي السلاما

وترجل فتحدث عجبا ... أن قلباً سار عن جسم أقاما

قل لجيران الغضى آها على ... طيب عيش بالغضى لو كان داما

نصل العام ولا ننساكم ... وقصارى الوجد أن نسلخ عاما

حملوا ريح الصبا نشركم ... قبل أن تحمل شيحاً وثماما

ابعثوا أشباحكم في الكرى ... إن أذنتم لجفوني أن تناما وهي قصيدة طويلة نقتصر من أطايبها على هذا القدر طلباً للاختصار. ومن رقيق شعره قصيدته التي منها 

أرقت فهل لهاجعة بسلع ... على الأرقين أفئدة ترق

نشتك بالمودة ياابن ودي ... فإنك بي من ابن أبي حق

أسل بالجزع دمعك إن عيني ... إذا استبررتها (2) دمعا تعق

وإن شق البكاء على المعافى ... فلم أسألك إلا ما يشق وله في القناعة، وقد أحسن (3) فيها كل الاحسان (4) :

يلحى علىالبخل الشحيح بماله ... أفلا تكون بماء وجهك أنجلا

أكرم يديك عن السؤال فإنما ... قدر الحياة أقل من أن تسألا

ولقد أضم إلي فضل قناعتي ... وأبيت مشتملاُ بها متزملا

وأري العدو على الخاصاصة شارة ... تصف الغنى فيخالني متمولا

وإذا امرؤ أفنى االليالي حسرة ... وأمانيا أفنيتهن توكلا ومن بدبع مدائحه (5) قوله من جملة قصيدة:

وإذا رأوك تفرقت أرواحهم ... فكأنما عرفتك قبل الأعين

وإذا أردت بأن تفل كتيبة ... لاقيتها فتسم فيها واكتن وله من جملة قصيدة أبيات تتضمن العتب
إذا صور الإشفاق لي كيف أنتم ... وكيف إذا ما عن ذكري صرتم

تنفست عن عتب، فؤادي مفصحٌ ... به، ولساني للحافظ يجمجم

وفي فيّ ماءٌ من بقايا ودادكم ... كثيراً به من ماء وجهي أرقتم

أضم فمي ضنا عليه وبينه ... وبين انسكاب ريثما أتكلم وديوانه مشهور فلا حاجة إلى الإطالة في إيراد محاسنه.

ويعجبني كثيراً قوله من جملة قصيدة طويلة بيت واحد وهو 

بنا أنتم من ظاعنين وخلفوا ... قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهم 
وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وأربعمائة.

وفي تلك السنة توفي الرئيس أبو علي ابن سينا الحكيم المشهور - حسبما تقدم ذكره في ترجمته- رحمهما الله تعالى؛ رأيت في بعض التواريخ أنه توفي سنة ست عشرين، والأول أصح، والله أعلم.

وذكر الباخرزي المذكور في كتابه " الدمية " أيضاً ولده الحسين بن المهيار، ونسب إليه القصيدة الحائية التي من جملتها:

يا نسيم الريح من كاظمة ... شطر ثانيشد ما هجت البكا والبرحا 
وهي قصيدة طويلة، وهي من مشاهير قصائد مهيار، ولا أعلم من أين وقع له هذا الغلط.

ومهيار: بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الياء المثناة من تحتها وبعد الألف راء.

ومرزويه: بفتح الميم وسكون الراء وفتح الزاي والواو وبعدها ياء مثناة من تحتها ثم هاء ساكنة، وهما اسمان فارسيان لا أعرف معناهما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق