الخميس، 21 مايو 2020

الألوسي

أبو سعيد المؤيد بن محمد بن علي بن محمد الألوسي، الشاعر المشهور؛ كان من أعيان شعراء عصره كثير الغزل والهجاء، ومدح جماعة من رؤساء العراق، وله ديوان شعر، وكان منقطعاً إلى الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة، وله فيه مادئح جيدة.ذكره محب الدبن ابن النجار في تاريخ بغداد فقال: هو عطاف بن محمد ابن علي بن أبي سعيد الشاعر المعروف بالمؤيد، ولد بألوس، قرية بقرب الحديثة، ونشأ بدجيل ودخل بغداد، وصار جاووشاً في أيام المسترشد بالله، وهجاه ابن الفضل الشاعر بأبيات؛ ثم إن المؤيد نظم الشعر فأكثر منه حتى عرف به ومدح وهجا، وكان قد لجأ إلى خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه - وقد تقد ذكره - قال: وتفسح في ذكر الإمام المقتفي وأصحابه بما لا ينبغي، فقبض عليه وسجن.وذكره العماد الكاتب في كتاب الخريدة فقال: ترفع قدره وأثرى حاله، ونفق شعره، وكان له قبول حسن، واقتنى أملاكاً وعقاراً وكثر رياشه، وحسن معاشه، ثم عثر به الدهر عثرة صعب منها انتعاشه، وبقي في حبس الأمام المقتفي أكثر من عشر سنين إلى أن خرج في أول خلافة الإمام المستنجد.
سنة خمس وخمسين وخمسمائة، ولقيته حينئذ وقد غشي بصره من ظلمة المطمورة  التي كان فيها محبوساً. وكان زيه زي الأجناد، وسافر إلى الموصل، وله شعر حسن غزل وأسلوب مطرب بنظم معجب، وقد يقع له في المعاني المبتكرة ما يندر، فمن ذلك قوله في صفة القلم:ومثقف يغني ويفني دائماً ... في طوري الميعاد والإيعادقلم يفل الجيش وهو عرموم ... والبيض ما سلت من الأغمادوهبت له الآجام حين نشأ بها ... كرم السيول وهيبة الآساد قلت أنا: ولقد رأيت هذه الأبيات منسوبة إلى غيره، والله أعلم بالصواب.ولم يقل في القلم أحسن من هذا المعنى. ولبعضهم في القلم أيضاً وهو في هذا المعنى:وأرقش مرهوب الشباة مهفهف ... يشتت شمل الخطب وهو جميعتدين له الآفاق شرقاً ومغربا ... وتعنو له أفلاكها وتطيعحمى الملك مفطوماً كما كان يحتمي ... به الأسد في الآجام وهو رضيع ولبعضم أيضاً في هذا المعنى:له قلم كقضاء الإله ... بالسعد طوراً وبالنحس ماضيفما فارق الأسد في حالتيه ... يبيساً وذا ورقات غضاضففي كف ليث الوغى في الندى ... وفي وجه ليث الشرى في الغياض ومعنى البيت الثالث مأخوذ من قول بعضهم في وصف طنبور:وطنبور مليح الشكل يحكي ... بنغمته الفصيحة عندليباروى لما ذوى نغماً فصاحاً ... حواها في تقلبه قضيباكذا من عاشر العلماء طفلاً ... يكون إذا نشأ شيخاً أديبا.
وهذا معنى مطروق أكثرت الشعراء استعماله، فمن ذلك قول بعضهم وهو أبو محمد عبد الله بن قاضي ميلة:جاءت بعود يناغيها يسعدها ... انظر بدائع ما يأتي به الشجرغنت عليه ضروب الطير ساجعة ... حيناً فلما ذوى غنى به البشرفلا يزال عليه الدهر مصطخب ... يهيجه الأعجمان: الطير والوتر ولبعضهم في المعنى أيضاً :وعود له نوعان من لذة المنى ... فبورك جان يجتنيه وغارستغنت عليه وهو رطب طيروها ... وغنت عليه قينة وهو يابس ولولا خوف الإطالة والخروج عما نحن بصدده لذكرت عدة مقاطيع في هذا المعنى.ولبهاء الدين زهير المقدم ذكره من قصيدة يمدح بها اقسيس بن الملك الكامل:وتهتز أعواد المنابر باسمه ... فهل ذكرت أيامها وهي أغصان ثم قال العماد في بقية الترجمة: وكان ولده محمد ذكياً، وله شعر حسن، هاجر إلى الملك العادل نور الدين بالشام سنة أربعة وستين وكان يومئذ بصرخد، فمرض فأنفذه إلى دمشق، فمات في الطريق بقرية يقال لها رشيدة ؛ انتهى كلا العماد.ومن شعر المؤيد المذكور من جملة قصيدة له، رحمه الله تعالى:فيا بردها من نفحة حاجرية ... على حر صدر ليس تخبو سمائمهويا حسنه طيفاً وشى نور وجهه ... بطيفي فغطاني من الشعر فاحمهيجول وشاحاه على غصن بانة ... سقاها الحيا فاخضر واهتز ناعمه
فلما رمى في شملنا الصبح بالنوى ... ولم يبق منها غير معنى ألازمهوقفت بجزوى وهي منها معالم ... قواء وجسمي قد تعفت معالمهوقوف بناني (1) في يميني ولم أقف ... وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمهولم يبق لي رسماً بجسمي صدوها ... فيشجى بدمعي كلما انهل طاسمهولا مقلة أبقت فتغرم نظرة ... بثانية والمتلف الشيء غارمهفلله وجدي في الركاب كأنه ... دموعي وقد حنت بليل روازمهوقد مد من كف الثريا هلالها ... فقبلته حتى تهاوت مناظمه وهي قصيدة طويلة أجاد فيها، وقد وازن بها قصيدة المتنبي في سيف الدولة ابن حمدان التي أولها:وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه وقد استعمل في قصيدته أنصاف أبيات من قصيدة المتنبي على وجه التضمين وأكثر شعره جيد.وله أيضاً من جملة أبيات قالها وهو محبوس:رحلوا فأفنيت الدموع تشوقاً ... من بعدهم وعجبت إذ أنا باقيوعلمت أن العود يقطر ماؤه ... عند الوقود لفرقة الأوراقوأبيت مأسوراً وفرحة ذكركم ... عندي تعادل فرحة الإطلاقلا تنكر البلوى سواد مفارقي ... فالحرق يحكم صنعة الحراق وكانت ولادته سنة أربع وتسعين وأربعمائة بألوس، ونشأ بها. وتوفي الخميس الرابع والعشرين مم شهر رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة بالموصل، وكان خروجه من بغداد سنة ست وخمسين وخمسمائة، رحمه الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق