السبت، 3 يونيو 2017

ابن طرارا الجريري

    القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود المعروف بابن طرارا الجريري النهرواني؛ كان فقيهاً أديباً شاعراً، عالماً بكل فن، ولي القضاء ببغداد، بباب الطاقة نيابة عن ابن صبر القاضي، وروى عن جماعة من الأئمة، منهم أبو القاسم البغوي وأبو بكر بن أبي داود ويحيى بن صاعد وأبو سعيد العدوي وأبو حامد محمد بن هارون الحضرمي وغيرهم. وأخذ الدب عن أبي عبد الله إبراهيم محمد بن عرفة المعروف بنفطويه وغيره. وروى عنه جماعة من الأئمة أيضاً، منهم أبو القاسم الأزهري والقاضي أبو الطيب الطبري الفقيه الشافعي وأحمد بن علي التوزي وأحمد بن عمرو بن روح.
    وذكر أحمد بن عمر بن روح أن أبا الفرج المذكور حضر في دار لبعض الرؤساء، وكان هناك جماعة من أهل العلم والأدب، فقالوا له: في أي نوع من العلوم نتذاكر فقال أبو الفرج لذلك الرئيس: خزانتك قد جمعت أنواع العلوم، وأصناف الأدب، فإن رأيت أن تبعث الغلام إليها، تأمره أن يفتح بابها، ويضرب بيده إلى أي كتاب رأى (1) منها، فيحمله ثم يفتحه، وينظر في أي العلوم هو، فنتذاكره ونتجارى فيه. قال ابن روح: وهذا يدل على أن أبا الفرج كان له أنسة بسائر العلوم. وكان أبو محمد عبد الباقي يقول: إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها، وقال: لو أوصى رجل بثلث ماله لأعلم الناس (2) لوجب أن يدفع إلى أبي الفرج المعافى.
    وكان ثقة مأموناً في روايته، وله شعر حسن، فمن ذلك ما رواه عنه القاضي أبو الطيب الطبري الفقيه الشافعي، وهو:
    ألا قل لم كان لي حاسداً ... أتدري على من أسأت الأدب
    أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
    فجازك عنه بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب " طبقات الفقهاء " وأثنى عليه ثم قال: وأنشدني قاضي بلدنا أبو علي الداودي، قال: أنشدني أبو الفرج لنفسه:
    أأقتبس الضياء من الضباب ... وألتمس الشراب من السراب
    أريد من الزمان النذل بذلاً ... وأرياً من جنى سلع وصاب
    أرجي أن ألاقي لاشتياقي ... خيار الناس في زمان الكلاب ومن شعره أيضاً:
    مالك العلمين ضامن رزقي ... فلماذا أملك الخلق رقي
    قد قضى لي بما علي وما لي ... خالقي جل ذكره قبل خلقي
    صاحبي البذل والندى في يساري ... ورفيقي في عسرتي حسن رفق
    وكما لا يرد عجزي رزقي ... فكذا لا يجر رزقي حذقي وذكر أنه علمها في معنى قول علي بن الجهم (1) :
    لعمرك ما كل التعطل ضائر ... ولا كل شغل فيه للمرء منفعه
    إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى ... عليك سواء فاغتنم راحة الدعه ومن غريب ما اتفق له ما حكاه أبو عبد الله الحميدي، صاحب " الجمع بي الصحيحين " - المقدم ذكره - قال: قرأت بخط أبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواتي: حججت سنة، وكنت بمنى أيام التشريق، فسمعت منادياً ينادي: يا أبا الفرج، فقلت: لعله يريدني، ثم قلت: في الناس خلق كثير ممن يكنى أبا الفرج، ولعله ينادي غيري، فلم أجبه، فلما رأى أنه لا يجيبه أحد نادي: يا أبا الفرج المعافى، ففهمت أن أجيبه، ثم قلت: قد يتفق أن يكون آخر اسمه المعافى، ويكنى أبا الفرج بن زكريا النهرواني، فقلت: لم يبق شك في مناداته إياي إذ ذكر اسمي وكنيتي واسم أبي وبلدي الذي أنسب إليه، فقلت: ها أنا ذا فما تريد قال: لعلك من نهروان الشرق، فقلت: نعم، فقال: نحن نريد نهروان الغرب، فعجبت من اتفاق الاسم والكنية واسم الأب وما أنتسب 
    إليه، علمت أن بالمغرب موضعاً يسمى النهروان، غير النهروان الذي بالعراق.
    ولأبي الفرج المذكور عدة تصانيف ممتعة في الأدب وغيره [وكتاب " الجليس الأنيس " تصنيفه أيضاً] (1) .
    وكانت ولادته يوم الخميس لسبع خلون من شهر رجب سنة ثلاث، وقيل خمس، وثلثمائة؛ وتوفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة، سنة تسعين وثلثمائة بالنهروان، رحمه الله تعالى.
    وطرارا: بفتح الطاء المهملة والراء بعد الأف راء ثانية مفتوحة ثم ألف مقصورة وبعضهم يكتبه بالهاء بدلاً من الألف، فيقول: طرارة، والله أعلم.
    والجريري: بفتح الجيم وكسر الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء هذه النسبة إلى الامام محمد بن جرير الطبري - المقدم ذكره - وإنما نسب إليه لأنه كان على مذهبه مقلداً له، وقد تقدم في ترجمته أنه كان مجتهداً صاحب مذهب مستقل، وكان له أتباع، وأخذ بمذهبه جماعة منهم أبو الفرج المذكور.
    وقد سبق الكلام على النهرواني (2) فأغنى عن الإعادة، والله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق