السبت، 28 يناير 2017

أحمد القطرسي النفيس

    أبو العباس أحمد بين أبي القاسم عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن خلف بن مسلم اللخمي المالكي القطرسي، المنعوت بالنفيس؛ كان من الأدباء، وله ديوان شعر أجاد فيه، ونقلت منه قصيدة يمدح بها الأمير شجاع الدين جلدك التقوي، المعروف بوالي دمياط، أولها:
    قل للحبيب أطلت صدك ... وجعلت قتلي فيك وكدك
    إن شئت أن أسلو فرد ... علي قلبي فهو عندك
    أخلفت حتى في زيا ... رتنا بطيف منك وعدك
    وأنا عليك كما عهد ... ت وإن نقضت علي عهدك
    أحرقت يا ثغر الحبي ... ب حشاي لما ذقت بردك
    وشهدت أني ظالم ... لما طلبت إليك شهدك
    أتظن غصن البان يع ... جبني وقد عاينت قدك
    أم يخدع التفاح أل ... حاظي وقد شاهدت خدك
    أم خلت آس عذارك ال ... منشوق يحمي منك وردك
    لا والذي جعل الهوى ... مولاي حتى صرت عبدك
    يا قلب من لانت معا ... طفه علينا ما أشدك
    أتظنني جلد الهوى ... أو أن لي عزمات جلدك
    وهي قصيدة جيدة، ونقتصر منها على هذا القدر خوف الإطالة.
    وجاب النفيس المذكور البلاد، ومدح الناس، واستجدى بشعره.
    وذكره العماد الكاتب في الخريدة، فقال: فقيه مالكي المذهب، له يد في علوم الوائل والدب، ومن شعره قوله:
    يسر بالعيد أقوام لهم سعة ... من الثراء، وأما المقترن فلا
    هل سرني وثيابي فيه قوم سبا ... أو راقني وعلى رأسي به ابن جلا يعني قوم سبأ مزقناهم كل ممزق، وابن جلا ما له عمامة، يشير إلى قول الشاعر سحيم بن وثيل الرباحي:
    أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني وذكره العماد أيضاً في كتاب السيل فقال: كان من الفقهاء بمصر، وقد رأيت القاضي الفاضل يثني عليه، ووجدت له قصيدة كتبها من مصر إليه ونقلت من ديوانه أيضاً:
    يا راحلا وجميل الصبر يتبعه ... هل من سبيل إلى لقياك يتفق
    ما أنصفتك جفوني وهي دامية ... ولا وفى لك قلبي وهو محترق [ومن شعره أيضاً في الأمير فخر الدين إسماعيل بن ثعلب:
    مدحت الجعفري فما أثابت ... يداه فظن مدحي للثواب
    وما كان احتساب الأجر فيه ... على كذب المدائح في الحساب ومن شعره أيضاً:
    يأبى العذار المستدير بوجهه ... وكمال بهجة حسنه المنعوت
    فكأنما هو صولجان زمرد ... متلقف كرة من الياقوت] وله في كأس سقطت وهو معنى بديع:
    ما سقطت كاسك من علة ... لكن يد الفضل بتبديدها
    هيهات أن تحفظها راحة ... ما حفظت قط سوى جودها وله:
    فؤادي إليك شديد الظما ... وعيني تشكو لك الحاجبا
    فرتب لي الأذن سهلاً لديك ... فإني أرضى به راتباً [وكتب إلى القاضي الأسعد بن عثمان يستدعيه من جملة أبيات:
    صر إلينا على البراق وإلا ... جاءك العتب بعد فوت المراد وصار إليه وأنشده ارتجالاً:
    قد أجبت لنداء يا داعي ال ... مجد ولو كنت موثقاً في صفاد
    فودادي يصونني عن عتاب ... وبراقي عزيمتي في الوداد] وله في مغن اسمه حسام ويعرف بالأقرع وهي من الشعر المختار:
    وفتيان تملكت الحميا ... أزمة أمرهم ملك الأمير
    أرادوا من حسام أن يغني ... ليطربهم وذاك من الغرور
    فقلت لهم متى بالله غنى ... حسام قط في زمن السرور [ومن شعره أيضاً:
    لا تسأل اليوم عن حالي وعن خبري ... دهت فؤادي دواهي الحسن والقدر
    أصبحت قد ضل قلبي في هوى قمر ... فأعجب لمن ضل بين الشمس والقمر وله أيضا وكتب بهما إلى بعض أصدقائه يعاتبه:
    إن مسني من جنابٍ كنت أعهد لي ... فيه النعيم تكاليف من الشظف
    فالشمس والبدر حسبي أسوة بهما ... وربما كسفا في البيت والشرف 
    ومن شعره يصف دير القصير أولها:
    قصرنا على دير القصير ركابنا ... ليالي قضاها السرور قصارا
    محل يريك النيل والروض والمها ... ويدني من النجم البعيد مزارا
    وتهدي إلى أبصارنا وقلوبنا ... بغير عناء قوة وقدارا ويقتصر من شعره على هذا القدر.
    وكان جده يقال له قطرس.
    وتوفي في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة بمدينة قوص، وقد ناهز سبعين سنة من عمره، رحمه الله تعالى.
    واللخمي - بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وبعدها ميم - هذه النمسبة إلى لخم بن عدي، واسمه مالك، وهو أخو جذام، واسم جذام عمر بن عدي، وكانا قد تشاجرا فلخم عمرو مالكا - أي لطمه - فضرب مالك عمرا بمدية فجذم يده - أي قطعها - فسمي مالك لخما، وسمي عمرو جذاماً لهذا السبب.
    والقطرسي - بضم القاف وسكون الطاء المهملة وضم الراء وبعدها سين مهملة - هذه النسبة كشفت عنها كثيراً ولم اقف لها على حقيقة، غير انه كان من أهل مصر، ثم أخبرني بهاء الدين زهير بن محمد الكاتب الشاعر - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - أن هذه النسبة إلى جده قطرس، وكان صاحبه، وروى عنه شيئا من شعره.
    (7) وجلدك: أبو المظفر عتيق تقي الدين عمر، صاحب حماة - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وكان ديناً فاضلاً. ومات في الثامن والعشرين من شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة بالقاهرة، وقد ناهز ثمانين سنة، وله شعر، وروى عن الحافظ السلفي وغيره، ومن جملة ما روى بهاء الدين زهير من شعره في غلام يتعلم على الهندسة والهيئة:
    وذي هيئة يزهو بوجه مهندس ... أموت به كل يوم وأبعث
    محيط بأشكال الملاحة وجهه ... كأن به إقليدساً يتحدث
    فعارضه خط استواء وخاله ... به نقطة والصدغ شكل مثلث
     وتنسب هذه اليات إلى أبي جعفر العلوي المصري، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق