الاثنين، 23 يناير 2017

أبو العلاء المعري

     أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن أنوربن أسحم بن أرقم بن النعمان بن عدي بن غطفان بن عمر بن بريح بن جديمة بن تيم الله ابن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قصناعة التنوخي المعري للغوي الشاعر؛ كان متضلعاً من فنون الأدب، قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرة، وعلى محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب، وله التصانيف الكثيرة المشهورة والرسائل المأثورة، وله من النظم لزوم ما لا يلزم وهو كبير يقع في خمسة أجزاء أو ما يقاربها، وله سقط الزند أيضاً، وشرحه بنفسه، وسماه ضوء السقط، وبلغني أن له كتباً سماه الأيك والغصون وهو المعروف بالهمزة والردف يقارب المائة جزء في الأدب أيضاً، وحكى لي من وقف على المجلد الأول بعد المائة من كتاب الهمزة والردف وقال: لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد. وكان علامة عصره.
    وأخذ عنه أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، والخطيب أبو زكريا التبريزي وغيرهما.
    وكانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة بالمعرة، وعمي من الجدري أول سنة سبع وستين، غشى يمنى عينيه بياض وذهبت اليسرى جملة، قال الحافظ السلفي: أخبرني أبو محمد عبد الله (2) بن الوليد بن غريب الإيادي أنه دخل مع عمه على أبي 
    العلاء يزوره، فرآه قاعداً على سجادة لبد وهو شيخ، قال: فدعا لي ومسح على رأسي وكنت صبيا، قال: وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما نادرة (1) والأخرى غائرة جدا، وهو مجدر الوجه، نحيف الجسم.
    ولما فرغ من تصنيف كتاب اللامع العزيزي في شرح شعر المتنبي وقرىء عليه أخذ الجماعة في وصفه فقال أبو العلاء: كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول:
    أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه ذكرى حبيب وديوان البحتري وسماه عبث الوليد وديوان المتنبي وسماه معجز أحمد وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم، وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم، والتوجيه في أماكن لخطئهم.
    ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلثمائة، ودخلها ثانية سنة تسع وتسعين، وأقام بها سنة وسبعة أشهر، ثم رجع إلى المعرة ولزم منزله، وشرع في التصنيف وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار، وسمى نفسه رهين المحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه، ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تديناً لأنه كان يرى رأي الحكماء المتقدمين وهم لا يأكلونه كي لا يذبحوا الحيوان ففيه تعذيب له وهم لا يرون الإيلام في جميع الحيوانات.
    وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ومن شعره في اللزوم قوله:
    لا تطلبن بآلةٍ لك رتبهً ... قلم البليغ بغير جد مغزل
    سكن السماكان السماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل وتوفي يوم الجمعة ثالث - وقيل: ثاني - شهر ربيع الأول، وقيل: ثالث عشره، سنة تسع وأربعين واربعمائة بالمعرة، وبلغني أنه أوصى أن يكتب على قبره هذا البيت:
    هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد وهو أيضا متعلق باعتقاد الحكماء، فانهم يقولون: إيجاد الولد وإخراجه إلى هذا العالم جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات.
    وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات في اليوم الرابع، ولم يكن عنده غير بني عمه فقال لهم في اليوم الثالث (1) : اكتبوا عني، فتناولوا الدوي والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب، فقال القاضي أبو محمد عبد الله التنوخي: أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت؛ فمات ثاني يوم. ولما توفي رثاه تلميذه أبو الحسن علي بن همام بقوله:
    إن كنت لم ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من جفني دماً
    سيرت ذكرك في البلاد كأنه ... مسك فسامعة يضمخ أو فما
    وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة ... ذكراك أخرج فدية من أحرما وقد أشار في البيت الأول إلى ما كان يعتقده ويتدين به من عدم الذبح كما تقدم ذكره.
    وقبره في ساحة من دوار أهله، وعلى الساحة باب [صغير قديم] (2) ، وهو على غاية ما يكون من الإهمال وترك القيام بمصالحه، وأهله لايحتفلون به.
    والتنوخي - بفتح التاء المثناة من فوقها وضم النون المخففة وبعد الواو خاء معجمة - وهذه النسبة إلى تنوخ، وهواسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين، وتحالفوا على التناصر، وأقاموا هناك فسموا تنوخاً. والتنوخ: الإقامة، وهذه القبيلة إحدى القبائل الثلاث التي هي نصارى العرب، وهم: بهراء، وتنوخ، وتغلب.
    والمعري - بفتح الخميم والعين المهملة وتشديد الراء - وهذه النسبة إلى معرة النعمان، وهي: بلدة صغيرة بالشام بالقرب من حماة وشيزر، وهي منسوبة إلى النعمان بن بشير الأنصاري، رضي الله تعالى عنه، فإنه تديرها، فنسبت إليه، وأخذها الفرنج من المسلمين في محرم سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ولم تزل بأيدي الفرنج من يومئذ إلى أن فتحها عماد الدين زنكي بن آق سنقر الآتي ذكره إن شاء الله تعالى سنة تسع وعشرين وخمسمائة، ومن على أهلها بأملاكهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق