الأربعاء، 25 يناير 2017

ابن دراج القسطلي

    أبو عمر أحمد بن محمد بن العاصي بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن دراج الأندلسي القسطلي الشاعر الكاتب؛ كان كاتب المنصور بن أبي عامر وشاعره، وهو معدود في تاريخ الأندلس من جملة الشعراء المجيدين والعلماء المتقدمين، ذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر، وقال في حقه: كان بصقع الأندلس كالمتنبي بصقع الشام، وهو احد الشعراء الفحول، وكان يجيد ما ينظم ويقول، واورد له أشعاراً حسنةً، وذكره أبو الحسن ابن بسام في كتاب الذخيرة، وساق طرفاً من رسائله ونظمه، ونقلت من ديوانه - وهو جزءان - أن المنصور بن أبي عامر أمره أن يعارض قصيدة أبي نواس الحكمي التي مدح بها الخطيب بن عبد الحميد ) صاحب الخراج بمصر التي أولها:
    أجارة بيتينا أبوك غيور ... وميسور ما يرجى لديك عسير فعارضها بقصيدة بليغة، من جملتها  :
    ألم تعلمي أن الثواء هو التوى ... وأن بيوت العاجزين قبور
    تخوفني طول السفار، وإنه ... لتقبيل كف العامري سفير
    دعيني أرد ماء المفاوز آجناً ... إلى حيث ماء المكرمات نمير
    فإن خطيرات المهالك ضمن ... لراكبها أن الجزاء خطير
     ومنها في وصف وداعه لزوجته وولده الصغير:
    ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أنة وزفير
    تناشدني عهد المودة والهوى ... وفي المهد مبغوم النداء صغير
    عيي بمرجوع الخطاب ولحظه ... بموقع أهواء النفوس خبير
    تبوأ ممنوع القلوب ومهدت ... له أذرع محفوفة ونحور
    فكل مفداة الترائب مرضع ... وكل محياة المحاسن ظير
    عصيت شفيع النفس فيه وقادني ... رواح لتدآب السرى وبكور
    وطار جناح البين بي وهفت بها ... جوانح من ذعر الفراق تطير
    لئن ودعت مني غيوراً فإنني ... على عزمتي من شجوها لغيور
    ولو شاهدتني والهواجر تلتظي ... علي ورقراق السراب يمور
    أسلط حر الهاجرات إذا سطا ... على حر وجهي والأصيل هجير
    وأستنشق النكباء وهي لوافح ... وأستوطىء الرمضاء وهي تفور
    وللموت في عين الجبان تلون ... وللذعر في سمع الجريء صفير
    لبان لها أني من البين جازع ... وأني على مضى الخطوب صبور
    أمير على غول التنائف ماله ... إذا ريع إلا المشرفي وزير
    ولو بصرت بي والسرى جل عزمتي ... وجرسي لجنان الفلاة سمير
    وأعتسف الموماة في غسق الدجى ... وللأسد في غيل الغياض زئير
    وقد حومت زهر النجوم كأنها ... كواكب في خضر الحدائق حور
    ودارت نجوم القطب حتى كأنها ... كؤوس مها (1) والى بهن مدير
    وقد خيلت طرق المجرة انها ... على مفرق الليل البهيم قتير (2)
    وثاقب عزمي والظلام مروع ... وقد غضن أجفان النجوم فتور قد أيقنت أن المنى طوع همتي ... وأني بعطف العامري جدير وهي طويلة، وفي هذا القدر منها كفاية. وإذا قد ذكرت هذه القصيدة فينبغي أن أذكر شيئاً من قصيدة أبي نواس التي وازنها أبو عمر؛ وكان أبو نواس قد خرج من بغداد قاصداً مصر ليمدح أبا نصر الخطيب بن عبد الحميد صاحب ديوان الخراج بها، فأنشده هذه القصيدة، وذكر المنازل التي مر عليها في طريقه، وقد ذكرت منها بيتاً في ترجمة أبي إسحاق إبراهيم بن عثمان الغزي، ولا حاجة إلى ذكر جميعها فإنها طويلة، ولكن أذكر الذي أختاره منها، فمن ذلك (1) :
    تقول التي من بيتها خفف محملي (2) ... عزيز علينا أن نراك تسير
    أما دون مصر للغنى متطلب ... بلى إن أسباب الغنى لكثير
    فقلت لها واستعجلتها بوادر ... جرت فجرى من جريهن غدير
    ذريني أكثر حاسديك برحلةٍ ... إلى بلدة فيها الخطيب أمير
    إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا ... فأي فتى بعد الخطيب تزور
    فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يصير الجود حيث يصير
    فتى يشتري حسن الثناء بماله ... ويعلم أن الدائرات تدور ومنها أيضاً:
    فمن كان (3) أمسى جاهلاً بمقالتي ... فإن أمير المؤمنين خبير
    وما زلت توليه النصيحة يافعاً ... إلى أن بدا في العارضين قتير
    إذا هاله (4) أمر فإما كفيته ... وإما عليه بالكفي تشير ثم شرع من ههنا في ذكر المنازل، ثم قال في أواخرها:زها بالخصيب السيف والرمح في الوغى ... وفي السلم يزهو منبر وسرير
    جواد إذا الأيدي قبضن عن الندى ... ومن دون عورات النساء غيور
    فإني جدير إن بلغتك للغنى ... وأنت لما أملت منك جدير
    فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور ثم مدحه بعد هذه بعدة قصائد، ويقال إنه لما عاد إلى بغداد مدح الخليفة، فقيل له: وأي شيء تقول فينا بعد أن قلت في بعض نوابنا:
    إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا ... البيتان المذكوران؛ فأطرق ساعة ثم رفع رأسه وأنشد يقول:
    إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
    وإن جرت الألفاظ منا بمدحةٍ ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني
     ومن شعر أبي عمر المذكور من جملة أبيات (1) :
    إن كان واديك ممنوعاً فموعدنا ... وادي الكرى فلعلي فيه ألقاك
     وقد ألم في هذا البيت بقول الآخر:
    هل سبيل إلى لقائك بالجز ... ع فإن الحمى كثير الوشاة
     وكانت ولادته في المحرم سنة سبع وأربعين وثلثمائة ، وتوفي ليلة الأحد لأربع عشرة ليلة بقيت (3) من جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. ودراج - بفتح الدال المهملة وفتح الراء المشددة وبعد اللف جيم - وهو اسم جده.
    والقسطلي - بفتح القاف وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام - هذه النسبة إلى قسطلة (1) ، وهي مدينة بالأندلس يقال لها قسطلة دراج، ولا أعلم أهي منسوبة إلى جده دراج المذكور أم إلى غيره، والله سبحانه أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق