الأحد، 30 أبريل 2017

الشيخ عماد الدين بن يونس

    أبو حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك بن محمد، الملقب عماد الدين، الفقيه الشافعي؛ كان إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف، وكان له صيت عظيم في زمانه، وقصده الفقهاء من البلاد الشاسعة الاشتغال (2) ، وتخرج عليه خلق كثير صاروا كلهم أئمة مدرسين يشار إليهم، وكان مبدأ اشتغاله على أبيه وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى - وذلك بالموصل، ثم توجه إلى بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على السديد محمد السلماسي - وقد تقدم ذكره (3) وكان معيدا بها، والمدرس يؤمئذ الشرف يوسف بن بندار الدمشقي (4) ، وسمع بها الحديث من أبي عبد الرحمن محمد بن محمد الكشميهني لما قدمها، ومن أبي حامد محمد بن أبي الربيع الغرناطي، وعاد إلى الموصل ودرس بها في عدة مدارس، وصنف كتبا في المذهب: منها كتاب المحيط في الجمع بين المهذب والوسيط وشرح الوجيز للغزالي، وصنف جدلا وعقيدة وتعليقه في الخلاف، لكنه لم يتمها، وكانت إليه الخطابة في الجامع المجاهدي مع التدريس في المدرسة النورية والعزية والزينية  والبقشية  والعلانية، وتقدم في دولة نور أرسلان شاه
    صاحب الموصل تقدما كثيرا، وتوجه عنه رسولا إلى بغداد غير مرة، وإلى الملك العادل، وناظر في ديوان الخلافة، واستدل في مسألة شراء الكافر للعبد المسلم، وذلك في سنة ست وتسعين وخمسمائة، وتولى القضاء بالموصل  يوم الخميس رابع شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، ثم انفصل عنه بأبي الفضائل القاسم بن يحيى بن عبد الله بت القاسم الشهرزوي الملقب ضياء الدين - المذكور في ترجمة عمة كمال الدين - في صفر سنة ثلاث وتسعين، وولي ضياء الدين المذكور يوم الأربعاء سابع عشر صفر المذكور، وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي بالموصل.
    وكان شديد الورع والتقشف لايلبس الثوب الجديد حتى يغسله، ولا يمس القلم للكتابة إلا ويغسل (2) يده، وكان دمث الأخلاق لطيف الخلوة ملاطفا بحكايات وأشعار، وكان كثير المباطنة لنور الدين صاحب الموصل يرجع إليه في الفتاوى ويشاور في الأمور وله صنف العقيدة المذكورة ولم يزل معه حتى انتقل عن مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي، ولم يوجد في بيت أتابك مع كثرتهم شافعي سواه.
    ولما توفي نور الدين في سنة سبع وستمائة - كما تقدم - توجه إلى بغداد في الرسالة بسبب تقرير ولده الملك القاهر مسعود - وسيأتي ذكره في ترجمة جده مسعود إن شاء الله تعالى - فعاد وقد قضى الشغل ومعه الخلعة والتقليد، وتوفرت حرمته عند القاهر أكثر مما كانت عند أبيه، وكان مكمل الأدوات، غير أنه لم يرزق سعادة في تصانيفه، فإنها ليست على قدر فضائله.
    وكانت ولادته بقلعة إربل سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، في بيت صغير منها، ولما وصل إلى إربل في بعض رسائله دخل ذلك البيت وتمثل بالبيت المشهور، وهو:
    بلاد بها نيطت علي تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها 
    وتوفي يوم الخميس، تاسع عشر جمادى الآخرة، سنة ثمان وستمائة بالموصل، رحمه الله تعالى.
    وكان الملك المعظم مظفر الدين صاحب إربل، رحمه الله تعالى، يقول رأيت الشيخ عماد الدين في المنام بعد موته، فقلت له: أما مت فقال: بلى، ولكني محترم.
    وقد ذكره ابن الدبيثي في كتاب الذيل وذكره أبو البركات ابن المستوفي فيتاريخ إربل - وسيأتي ذكر أخيه الشيخ كمال الدين موسى إن شاء الله تعالى - وهم أهل بيت خرج منهم جماعة من الأفاضل.
     وحفيده تاج الدين أبو القاسم عبد الرحيم ابن الشيخ رضي الدين محمد ابن الشيخ عماد الدين أبي حامد المذكور اختصر كتاب الوجيز للغزالي اختصارا حسنا سماهالتعجيز في اختصار الوجيز واختصر كتاب المحصول في أصول الفقه، واختصر طريقة ركن الدين  الطاوسي في الخلاف، ومولده بالموصل في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، ولما استولى التتر على الموصل كان بها، ثم انتقل إلى بغداد فدخلها في شهر رمضان سنة سبعين وستمائة، وتوفي بها في سنة إحدى وسبعين وستمائة  ، وكانت، وفاته في جمادى الأولى تقديرا من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق