الأحد، 23 أبريل 2017

الفضل بن سهل

    أبو العباس الفضل بن سهل السرخسي أخو الحسن بن سهل - وقد تقدم ذكره في حرف الحاء -؛ أسلم على يد المأمون في سنة تسعين ومائة، وقيل إن أباه سهلا أسلم على يد المهدي، والله أعلم، فوزر للمأمون واستولى عليه حتى ضايقه في جارية أراد شراءها.
    ولما عزم جعفر البرمكي على استخدام الفضل للمأمون، وصفه يحيى بحضرة الرشيد، فقال له الرشيد: أوصله إلي، فلما وصل إليه أدركته حيرة فسكت، فنظر الرشيد إلى يحيى نظر منكر لاختياره، فقال ابن سهل: يا أمير المؤمنين، إن من أعدل الشواهد على فراهة المملوك أن يملك قلبه هيبة سيده، فقال الرشيد: لئن كنت سكت لتصوغ هذا الكلام فلقد أحسنت، وإن كان بديهة إنه لأحسن وأحسن، ثم لم يسأله بعد ذلك عن شيء إلا أجابه بما يصدق وصف يحيى له.
    وكان فيه فضائل، وكان يلقب بذي الرياستين لأنه تقلد الوزارة والسيف.
    وكان يتشيع، وكن من اخبر الناس بعلم النجامة، وأكثرهم إصابة في أحكامه. حكى أبو الحسين علي بن أحمد السلامي في تاريخ ولاة خراسان: أن طاهر بن الحسين، المقدم ذكره، لما عزم المأمون على إرساله إلى محاربة أخيه محمد بن الأمين نظر الفضل بن سهل في مسألته، فوجد الدليل في وسط السماء، وكان ذا يمينين، فأخبر المأمون بأن طاهرا يظفر بالأمين ويلقب بذي اليمينين، فتعجب المأمون من إصابة الفضل، ولقب طاهرا بذلك، وولع (1) بالنظر في علم النجوم.
    وقال السلامي أيضا: ومما أصاب الفضل بن سهل فيه من أحكام النجوم (2) أنه اختار لطاهر بن الحسين حين سمي للخروج إلى الأمين وقتا، فعقد فيه لواءه وسلمه إليه، ثم قال له: قد عقدت لك لواء لا يحل خمسا وستين سنة، فكان بين خروج طاهر بن الحسين إلى وجه علي بن عيسى بن هامان، مقدم جيش الأمين، وقبض يعقوب بن الليث الصفار على محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر ابن الحسين بنيسابور خمس وستون سنة. وكان قبض يعقوب بن الليث على محمد المذكور يوم الأحد لليلتين خلتا من شوال سنة تسع وخمسين ومائتين.
    ومن إصاباته (أيضا ما حكم به على نفسه، وذلك أن المأمون طالب والدة الفضل بما خلفه، فحملت إليه سلة مختومة مقفلة، ففتح قفلها، فإذا صندوق صغير مختوم، وإذا فيه درج، وفي الدرج رقعة من حرير مكتوب فيها بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما قضى الفضل بن سهل على نفسه، قضى أنه يعيش ثمانيا وأربعين سنة، ثم يقتل ما بين ماء ونار فعاش هذه المدة، ثم قتله غالب  خال المأمون في حمام بسرخس - كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وله غير ذلك إصابات كثيرة.
    ويحكى أنه قال يوما لثمامة بن الأشرس: ما أدري ما أصنع بطلاب الحاجات فقد كثروا علي وأضجروني، فقال له: زل عن موضعك، وعلي أن لا يلقاك أحد منهم، فقال: صدقت، وانتصب لقضاء أشغالهم.
    وكان من مرض بخراسان وأشفى على التلف، فلما أصاب العافية جلس للناس، فدخلوا عليه وهنوه بالسلامة، وتصرفوا في الكلام، فلما فرغوا من كلامهم أقبل على الناس وقال: إن في العلل لنعما لا ينبغي للعقلاء أنيجهلوها: تمحيص الذنوب، والتعرض لثواب الصبر، والإيقاظ من الفغلة، والإذكار بالنعمة في حال الصحة، واستدعاء التوبة، والحض على الصدقة.
    زقد مدحه جماعة من اعيان الشعراء  ، وفيه يقول إبراهيم بن العباس الصولي، وقد سبق ذكره  :
    لفضل بن سهل يد ... تقاصر عنها المثل
    فنائلها للغنى ... وسطوتها للأجل
    وباطنها للندى ... وظاهرها للقبل 
    ومن ها هنا أخذ ابن الرومي قوله في الوزير القاسم بن عبيد الله من جملة أبيات:
    أصبحت بين خصاصة وتجمل ... والحر بينهما يموت هزيلا
    فامدد إلي يدا تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا
    وفيه يقول أبو محمد عبد الله بن محمد، وقيل ابن أيوب التميمي :
    لعمرك ما الأشراف في كل بلدة ... وإن عظموا للفضل إلا صنائع
    ترى عظماء الناس للفضل خشعا ... إذا ما بدا، والفضل لله خاشع
    تواضع لما زاده الله رفعة ... وكل جليل عنده متواضع
    وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري المعروف بصريع الغواني من جملة قصيدة :
    أقمت خلافة وأزلت أخرى ... جليل ما أقمت وما أزلتا [وحكى الجهشياري أن الفضل بن سهل أصيب بابن له يقال له العباس، فجزع 
    عليه جزعا شديدا، فدخل عليه إبراهيم بن موسى بن جعفر العلوي وأنشده:
    خير من العباس أجرك بعده ... والله خير منك للعباس فقال: صدقت، ووصله وتعزى له] .
    ولما ثقل أمره على المأمون دس عليه خاله غالبا [المسعودي الأسود] ، فدخل عليه الحمام بسرخس، ومعه جماعة، وقتلوه مغافصة، وذلك يوم الخميس ( ثاني شعبان سنة اثنتين ومائتين، وقيل ثلاث ومائتين، وعمره ثمان وأربعون سنة، وقيل إحدى وأربعون سنة وخمسة أشهر، والله أعلم.
    [وذكر الطبري في تاريخه أنه كان عمره ستين سنة، وقيل سنة اثنتين ومائتين يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان. قلت: وهو الصحيح.
    ورثاه مسلم بن الوليد ودعبل وإبراهيم بن العباس، رحمه الله تعالى. ومات والده سهل في سنة اثنتين أيضا، بعد قتل ابنه بقليل. وعاشت أمه وأم أخيه الحسن حتى أدركت عرس بوران على المأمون]  .
    ولما قتل مضى المأمون إلى والدته ليعزيها، فقال لها: لا تأسي عليه لا تحزني لفقده، فإن الله قد أخلف عليك مني ولدا يقوم مقامه، فمهما كنت تنبسطين إليه فيه فلا تنقبضي عني منه، فبكت ثم قالت: يا أمير المؤمنين، وكيف لا أحزن على ولد أكسبني ولدا مثلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق