الثلاثاء، 25 أبريل 2017

القاضي مجلي صاحب الذخائر

    أبو المعالي مجلي بن جميع بن نجا، القرشي المخزومي الأرسوفي الأصل، المصري الدار والوفاة، الفقيه الشافعي، كان من أعيان الفقهاء المشار إليهم في وقته، وصنف في الفقه كتاب الذخائر وهو كتاب مبسوط جمع  من المذهب شيئا كثيرا، وفيه نقل غريب ربما لا يوجد في غيره، وهو من الكتب المعتبرة المرغوب فيها، وتولى أبو المعالي المذكور القضاء بمصر في سنة سبع وأربعين وخمسمائة بتفويض من العادل أبي الحسن علي بن السلار - المقدر ذكره في حرف العين  - فإنه كان صاحب الأمر في ذلك الزمان، ثم صرف  عن القضاء في أوائل سنة تسع وأربعين وخمسمائة، قيل في العشر الأخير من شعبان من السنة . وتوفي في ذي القعدة سنة خمسين وخمسمائة، ودفن بالقرافة الصغرى، رحمه الله تعالى.
    والأرسوفي: بضم الهمزة وسكون الراء وضم السين المهملة وسكون الواو وبعدها فاء، هذه النسبة إلى أرسوف، وهي بليدة بالشام على ساحل البحر، كان بها جماعة من العلماء والمرابطين، وهي اليوم بيد الفرنج، خذلهم الله تعالى .
     قلت: ثم انترعها السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي النجمي من أيديهم في ثاني عشرين رجب من شهور سنة ثلاث وستين وستمائة بعد أن ملك قيسارية وخربها وعفى آثارها مع كثير من البلاد الساحلية التي تجاورها مثل يافا وغيرها، فامتلكها وبقي بها بعد ذلك  .
    والملك الظاهر المذكور هو أحد مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ابن الملك العادل ابن أيوب - وسيأتي ذكر والده في محله - وتولى المملكة بعد قتل الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وكان قتل المظفر وهو عائد من كسرة التتر المخذولين، وهي الكسرة المشهورة على عين جالوت بالقرب من بيسان، وقتل بمنزلة القصير من الرمل، وتولى الظاهر بعده باتفاق الأمراء عليه وتوجه لليلته ووصل القلعة في اليوم الثاني لمسيره ودخلها، وكنت يومئذ بالقاهرة.
    وكان ملكا عالي الهمة شديد البأس، لم نر في هذا الزمان ملكا مثله في عزمه وهمته وسعادته، وفتح من حصون الفرنج والإسماعيلية ما أعيا من تقدمه من ملوك الإسلام  وذلك في مدة مملكته. وكسر التتر دفعات آخرها في أواخر سنة خمس  وسبعين وستمائة بحدود بلاد الروم، ودخل الروم ووصل إلى قيسارية وجلس على سرير الملك بها ثم عاد إلى دمشق وأقام بها إلى أوائل سنة ست وسبعين وستمائة، فتوفي بها في يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم من سنة ست المذكورة بقصر الميدان، ونقل ليومه إلى القلعة وكتم موته، وقام مملوكه وعتيقه الأمير بدر الدين بيلبك المعروف بالخازندار بتدبير الأمور والعساكر وتوجه بهم إلى مصر ودخلها في شهر صفر من السنة ووطد قواعد السلطنة لولده السعيد ناصر الدين محمد بركة قان، واستمرت المملكة.
    ثم توفي بدر الدين الخازندار في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة. وفي أثناء هذه السنة أظهر موت الملك الظاهر ودفن بالتربة المجاورة للمدرسة التي أنشأها ولده الملك السعيد المذكور بدمشق المحروسة شمالي الجامع قبالة المدرسة العادلية الكبيرة.
    ) وأقام ولده الملك السعيد في المملكة إلى سنة ثمان وسبعين وستمائة. وفي هذه السنة وصل إلى دمشق وزار قبر والده المذكور وأقام بدمشق مدة يسيرة. وجرت أسباب أوجبت تغير قلوب الأمراء، وانفصل أكثر العساكر عنه  وفارقوه وتوجهوا طالبين الديار المصرية وتبعهم هو فيمن بقي من عسكره وفيمن عنده من مماليك أبيه وعسكر الشام ومعه من الأمراء الكبار شمس الدين سنقور الأشقر العلائي والأمير علم الدين سنجر الحلبي الكبير وغيرهما، ثم جرت أمور يطول شرحها، خلاصتها انه شق جموعهم بنفسه ودخل قلعة مصر في العشر الأواخر من ربيع الأول من السنة، ثم حاصروه بها وأنزلوه منها وأعطوه قلعة الكرك، وهي قلعة حصينة بين الشام ومصر على فم البرية الحجازية، فأقام بها إلى أن توفي في يوم الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وستمائة ودفن بالرك مدة ثم نقل إلى دمشق المحروسة في شهر جمادى من سنة ثمانين وستمائة ودفن على والده في التربة المجاورة للمدرسة المذكورة التي أنشأها. وهذه المدرسة على الفريقين أصحاب الإمام الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما، وافتتح بذكر الدرس فيها يوم الأربعاء سابع عشر صفر سنة سبع وسبعين وستمائة، وكنت حاضره يومئذ ، وحضر نائب المملكة بدمشق يومذاك، وهو الأمير عز الدين ايدمر بن عبد الله الظاهري، وهي من مشاهير المدارس 
    وكبارها يومئذ بدمشق المحروسة، حماها الله تعالى وسائر بلاد المسلمين.
     [ولما نزل الملك السعيد من قلعة الجبل انتهى رأي أكابر الأمراء على أن يقيموا اخاه سيف الدسن سلامش، وكان صغيرا، تقدير عمره دون عشر سنين، وأن يلقبوه بالملك العادل فوضعوه مكانه في السلطنة، وأن يكون اتابك العساكر ومتولي التدبير الأمير سيف الدين قلاون الصالحي المعروف بالألفي الكبير، فجرى الأمر على ذلك، واستمر هذا الحال كذلك إلى أواخر شهر رجب من السنة، فاستقل الأمير سيف الدين قلاون المذكور بالسلطنة وركب بأبهتها في حادي عشرين رجب المذكور، ولقب بالملك المنصور، وخلفه الأمراء والناس، ودخل أهل جميع المماليك في طاعته، ولم يبق إلا الملك السعيد بالكرك. ثم ان الأمراء أرسلوا إلى الملك السعيد بالكرك أخوه سلامش المذكور وعامة أهل بيت الملك الظاهر، فانقطعت مملكتهم من الديار المصرية وغيرها، ولم يبق لهم الا قلعة الكرك وما هو مضاف اليها، والله متولي الأمور، وبمشيئته يجري كل مقدور]  .
    [وكان سبب وفاة الملك السعيد أنه خرج إلى الصيد فتقنطر به الفرس، فحمل إلى قلعة الكرك فبقي يويمات قلائل مريضا، ثم توفي في التاريخ المذكور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق