الجمعة، 21 أبريل 2017

الحاجري الإربلي

    أبو يحيى وأبو الفضل عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين بن طاشتكين الإربلي، المعروف بالحاجري الملقب حسام الدين؛ هو جندي ومن أولاد الأجناد، وله ديوان شعر تغلب عليه الرقة وفيه معاني جيدة وهو مشتمل على شعر والدوبيت والموالية، وقد أحسن في الكل مع أنه قل من يجيد في مجموع هذه الثلاثة، بل من غلب عليه واحد منها قصر في الباقي، وله أيضاً " كان وكان " (2) واتفقت له فيها مقاصد حسان. وكان صاحبي وأنشدني كثيراً من شعره، فمن ذلك قوله وهو معنى جيد:
    ما زال يحلف لي بكل أليةٍ ... ألا يزال مدى الزمان مصاحبي
    لما جفا نزل العذار بخده ... فتعجبوا لسواد وجهه الكاذب وأنشدني لنفسه أيضاً:
    لك خالٌ من فوق عر ... ش شقيقٍ قد استوى
    بعث الصدغ مرسلاً ... يأمر الناس بالهوى
    وأنشدني لنفسه أيضاً أبيات منها في صفة الخال:
    لم يحو ذاك الخد خالاً أسواداً ... إلا لنبت شقائق النعمان وله في الخال أيضاً، [وهو معنى لطيف] :
    ومهفهف من شعره وجبينه ... أمسى الورى في ظلمة وضياء
    لا تنكروا الخال الذي في خده ... كل الشقيق بنقطة سوداء ومثل هذا قول بن وكيع التنيسي - المقدم ذكره  - واسمه الحسن:
    إن الشقيق رأى محاسن وجهه ... فأراد أن يحكيه في أحواله
    فأفاد حمرة لونه من خده ... وأفاد لون سواده من خاله [وله أيضاً:
    يقولون لما خط لام عذاره ... سلا كل قلب كان منه سليما
    لقد كنت أهوى ورد خديه زائراً ... فكيف إذا ما الآس جاء مقيما]
     وأنشدني أيضاً أكثر دوبيتياته، فمن ذلك قوله، وقال لي: ما يعجبني فيما عملته مثل هذا الدوبيت، وهو آخر شيء عملته إلى الآن، وهو:
    حيا وسقى الحمى سحابٌ هامي ... ما كان ألذ عامه من عام
    يا علوة ما ذكرت أيامكم ... إلا وتظلمت على الأيام وكان لي أخ يسمى ضياء الدين عيسى بينه وبين الحاجري المذكور مودة أكيدة، فكتب إليه من الموصل في صدر كتاب، وكان الأخ بإربل، وذلك في سنة تسع عشرة وستمائة:
    الله يعلم ما أبقى سوى رمق ... مني فراقك يا من قربه الأمل فابعث كتابك واستودعه تعزية ... فربما مت شوقاً قبل ما يصل ومع شهرة ديوانه وكثرة وجوده بأيدي الناس لا حاجة إلى الإطالة في إيراد أكثر من هذا
    وكنت خرجت من إربل في أواخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وهو معتقل بقلعتها لأمر يطول شرحه، بعد أن كان قد حبس في قلعة خفتيدكان ثم نقل منها، وله في ذلك أشعار، فمن ذلك قوله أبيات أولها:
    قيد أكابده وسجنٌ ضيق ... يا ربي شاب من الهموم المفرق ومنها:
    يا برق إن جئت الديار بإربلٍ ... وعلى عليك من التداني رونق
    بلغ تحية نازحٍ حسراته ... أبداً بأذيال الصبا تتعلق
    قل يا جعلت لك الفداء أسير كم ... من كل مشتاق إليكم أشوق
    والله ما سرت الصبا نجديةً ... إلا وكدت بدمع عيني أشرق
    كيف السبيل إلى اللقاء ودونه ... شماء شاهقة وباب مغلق وله وهو في السجن أيضاً:
    أحبابنا أي داعٍ بالبعاد دعا ... وأي خطبٍ دهانا منه تفريق
    لا كان دهرٌ رمانا بالفراق فقد ... أضحى له في صميم القلب تمزيق
    كانت تضيق بي الدنيا بغيبتكم ... فكيف سجنٌ ومن عاداته الضيق ثم بلغني بعد ذلك أنه خرج من الاعتقال، واتصل بخدمة الملك المعظم مظفر الدين صاحب إربل، رحمه الله تعالى، وتقدم عنده وغير لباسه وتزين بزي الصوفية، فلما توفي مظفر الدين - في التاريخ الأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى - سافر عن إربل ثم عاد إليها وقد صارت في مملكة أمير المؤمنين المستنصر بالله ونائبه بها الأمير شمس الدين أبو الفضائل باتكين، فأقام مديدة، وكان ورأه من يقصده، فاتفق أن خرج يوماً من بيته قبل الظهر، فوثب عليه شخص وضربه بسكين فأخرج حشوته، فكتب في تلك الحال إلى بآتكين المذكور وهو يكابد الموت:
    أشكوك يا ملك البسيطة حالة ... لم تبق رعباً في عضواً ساكنا
    إن تستبح إبلي لقيطة معشر ... ممن أومل غير جأشك مازنا
    ومن العجائب كيف يمسي  خائفاً ... من بات في حرم الخلافة آمنا
     ثم توفي بعد ذلك من يومه في يوم الخميس ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن في مقبرة باب الميدان، رحمه الله تعالى، وتقدير عمره خمسون سنة.
     وباتكين المذكور كان أرمني الجنس، وهو مملوك أم الخليفة الإمام الناصر لدين الله، ولما أخذ التتر إربل في الدفعة الأولى في أواخر سنة أربع وثلاثين وستمائة رجع إلى بغداد ومات بها يوم الأربعاء الثالث والعشرين من شوال سنة أربعين وستمائة، ودفن بالشونيزية.
    والحاجري: بفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مكسورة وبعدها راء، هذه النسبة إلى حاجر، وكانت بليدة (5) بالحجاز ولم يبق منها اليوم سوى الآثار، ولم يكن الحاجري منها، بل لكونه استعملها في شعره كثيراً نسب إليها، وهو إربلي الأصل والمولد والمنشأ، ولما غلبت عليه هذه النسبة وعرف بها واشتهرت بحيث صارت كالعلم عليه عمل في ذلك دوبيت، وهو  :
    لو كنت كفيت من هواك البينا ... ما بات يحاكي دمع عيني عينا
    لولاك لما ذكرت نجداً بفمي ... من أين أنا وحاجر من أين 
    وذكر ذلك أيضاً في أبيات لطيفة أو لها:
    أي طرف أحيور ... للغزال الأسيمر وآخرها:
    أيهذا الأريبلي ... هام فيك الحويجري وفي مدينة إربل  محلة يقال لها قرية جبريل بالتصغير ذكر أبو البركات ابن المستوفي في " تاريخ إربل " أنها منسوبة إلى جده جبريل المذكور.
    وخمارتكين: بضم الحاء المعجمة.
    وطاشتكين: بفتح الطاء المهملة وسكون الشين المثلثة.
    والباقي معروف.
    وخفتيدكان: بضم الخاء المعجمة وسكون الفاء وكسر التاء المثناة من فوقها وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة وكاف وبعد الألف نون  ، وهي قلعة حصينة مشهورة في بلد إربل، ويقال لها خفتيدكان صارم الدين وهي غير خفتيدكان أبي علي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق