الخميس، 27 أبريل 2017

الترمذي

    أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر، الترمذي الفقيه الشافعي، لم يكن للفقهاء الشافعية في وقته أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تقلا، وكان يسكن بغداد، وحدث بها عن يحيى بن بكير المصري ويوسف بن عدي وكثير بن يحيى وغيرهم. وروى عنه أحمد بن كامل القاضي وعبد الباقي بن قانع وغيرهما. وكان ثقة من أهل العلم والفضل والزهد في الدنيا. قال أبو الطيب أحمد بن عثمان السمسار والد أبي حفص عمر بن شاهين: حضرت عند أبي جعفر الترمذي فسأله سائل عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا فالنزول كيف يبقى فوقه علو فقال أبو جعفر: النزول معقول والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
    وكان من التقلل في المطعم على حالة عظيمة فقرا وورعا وصبرا على الفقر، أخبر محمد بن موسى بن حماد أنه أخبره أنه تقوت في سبعة عشر يوما خمس حبات، أو قال ثلاث  حبات، قال: قلت: كيف عملت فقال: لم يكن عندي غيرها فاشتريت بها لفتا، فكنت آكل كل يوم واحدة. وذكر أبو إسحاق الزجاج النحوي أنه كان يجرى عليه في كل شهر أربعة دراهم، وكان لا يسأل أحدا شيئا.
    وكان يقول: تفقهت على مذهب أبي حنيفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة عام حججت فقلت: يا رسول الله، قد تفقهت بقول أبي حنيفة، أفآخذ به قال: لا، فقلت: آخذ بقول مالك بن أنس فقال:خذ منه ما وافق سنتي، قلت: فآخذ بقول الشافعي فقال: ما هو بقوله، إلا أنه أخذ بسنتي ورد على من خالفها، قال: فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر، وكتبت كتب الشافعي. وقال الدارقطني: هو ثقة مأمون ناسك، وكان يقول: كتبت الحديث تسعا وعشرين سنة. وكانت ولادته في ذي الحجة سنة مائتين، وقيل سنة عشر ومائتين. وتوفي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين، ولم يغير سيبه، وكان قد اختلط في آخر عمره اختلاطا عظيما، رحمه الله تعالى.
    وقال السمعاني في نسبة الترمذي  : هذه النسبة إلى مدينة قديمة على طرف نهر بلخ الذي يقال له جيحون، والناس مختلفون في كيفية هذه النسبة: بعضهم يقول بفتح التاء ثالث الحروف، وبعضهم يقول بضمها، وبعضهم يقول بكسرها، والمتداول على لسان أهل تلك المدينة بفتح التاء وكسر الميم، والذي كنا نعرفه قديما كسر التاء والميم جميعا، والذي يقوله المتنوقون (2) وأهل المعرفة (3) بضم التاء والميم، وكل واحد يقول معنى لما يدعيه، هذا كله كلام السمعاني، والله أعلم بالصواب. وسألت من رآها: هل هي في ناحية خوارزم أم في ناحية ما وراء النهر فقال: بل هي في حساب ما وراء النهر في ذلك الجانب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق