الجمعة، 7 أبريل 2017

أبو الحسن الحصري

    أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري المقرئ الضرير الحصري القيرواني الشاعر المشهور.
    قال ابن بسام صاحب " الذخيرة " في حقه: كان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم جماعة، طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه من القيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق،
    معمور الطريق، فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض بالنسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم، على أنه كان فيما بلغني ضيق العطن، مشهور اللسن، يتلفت إلى الهجاء تلفت الظمأن إلى الماء، ولكنه طوي على غره ، واحتمل بين زمانته وبعد قطره، ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا اشتملت عليه مدينة طنجة، وقد ضاق ذرعه، وتراجع طبعه.
    قلت: وهذا أبو الحسن ابن خالة أبي إسحاق الحصري صاحب " زهر الآداب "؛ وذكره ابن بشكوال في كتاب " الصلة " والحميدي أيضاً، وقال : كان عالماً بالقراءات وطرقها، وأقرأ الناس القرآن الكريم بسبتة وغيرها، وله قصيدة نظمها في قراءة نافع عدد أبياتها مائتان وتسعة ، وله ديوان شعر، فمن قصائده السائرة القصيدة التي أولها:
    يا ليل الصب  متى غده ... أقيام الساعة موعده
    رقد السمار فأرقه ... أسفٌ للبين يردده
    وهي مشهورة  فلا حاجة إلى إيرادها. وقد وازنها صاحبنا الفقيه نجم الدين موسى بن محمد بن موسى بن أحمد بن عيسى الكناني أبو الفضائل المعروف بالقمراوي، رحمه الله تعالى (7) - والقمراوي بفتح القاف وسكون الميم وبعد الراء ألف ثم واو، هذه النسبة إلى قمراء وهي ضيعة بالشام من أعمال صرخد - والأبيات:
    قد مل مريضك عوده ... ورثى لأسيرك حسده
    لم يبق جفاك سوى نفسٍ ... زفرات الشوق تصعده
    هاروت يعنعن في السح ... ر إلى عينيك ويسنده
    وإذا أغمدت اللحظ فتك ... ت فكيف وأنت تجرده ومنها:
    كم سهل خدك وجه الرضا ... والحاجب منك يعقده
    ما أشرك فيك القلب فلم ... في نار الهجر تخلده ومن شعر الحصري أيضاً:
    أقول له وقد حيا بكأسٍ ... لها من مسك ريقته ختام
    أمن خديك تعصر قال كلا ... متى عصرت من الورد المدام
    ولما كان مقيماً بمدينة طنجة أرسل غلامه إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، واسمها في بلادهم حمص، فأبطأ عنه، وبلغه أن المعتمد ما احتفل به، فعمل:
    نبه الركب الهجوعا ... ولم الدهر الفجوعا
    حمصٌ الجنة قالت ... لغلامي لا رجوعا
    رحم الله غلامي ... مات في الجنة جوعا 
    وقد التزم في هذه الأبيات لزوم ما لا يلزم.
    وحكى تاج الدين العلا أبو زيد المعروف بالنسابة، قال: حدثني أبو أصبغ نباتة ابن الأصبغ بن زيد بن محمد الحارثي الأندلسي عن جده زيد بن محمد، قال: بعث المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية إلى أبي العرب الزبيري خمسمائة دينار، وأمره أن يتجهز بها ويتوجه إليه، وكان بجزيرة صقلية وهو من أهلها - وهو أبو العرب مصعب بن محمد بن أبي الفرات القرشي الزبيري الصقلي الشاعر - وبعث مثلها إلى أبي الحسن الحصري وهو بالقيروان، فكتب إليه أبو العرب:
    لا تعجبن لرأسي كيف شاب أسىً ... واعجب لأسود عيني كيف لم يشب
    البحر للروم لا تجري السفين به ... إلا على غررٍ والبر للعرب
    وكتب إليه الحصري:
    أمرتني بركوب البحر أقطعه ... غيري لك الخير فاخصصه بذا الراء
    ما أنت نوحٌ فتنجيني سفينته ... ولا المسيح أنا أمشي على الماء
    ثم دخل الأندلس بعد ذلك، وامتدح المعتمد وغيره  وتوفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بطنجة، رحمه الله تعالى.
    ومولد القمراوي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة تقديراً، وتوفي راجعاً من اليمن في أواخر صفر سنة إحدى وخمسين وست مائة، على ساحل بحر عيذاب بموضعٍ يقال له رأس دواير بين عيذاب وسواكن، ودفن في بر عيذاب مقابل موضع موته.
    والحصري: قد تقدم الكلام عليه في حرف الهمزة.
    وطنجة: بفتح الطاء وسكون النون وفتح الجيم، وهي بلدة بالمغرب، بينها وبين سبتة مرحلتان من تلك الناحية.
    وأما أبو العرب الزبيري فإنه ولد بصقلية سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وخرج منها لما تغلب الروم عليها سنة أربع وستين وأربعمائة قاصداً للمعتمد بن عباد، قال ابن الصيرفي: وبلغني أنه  في سنة سبع وخمسمائة حيٌّ بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق