الأحد، 2 أبريل 2017

عطاء بن أبي رباح

    أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم - وقيل سالم - بن صفوان مولى بني فهر أو جمح المكي، وقيل إنه مولى أبي ميسرة الفهري، من مولدي الجند؛ كان من أجلاء الفقهاء وتابعي مكة وزهادها، سمع جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وخلقاً كثيراً من الصحابة، رضوان الله عليهم، وروى عنه عمرو بن دينار والزهري وقتادة وملك بن دينار والأعمش والأوزاعي وخلق كثير، رحمهم الله تعالى وإليه وإلى، وإلى مجاهد انتهت فتوى مكة في زمانهما. قال قتادة: أعلم الناس بالمناسك عطاء. وقال إبراهيم بن عمر ابن كيسان: أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحج صائحاً يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، وإياه عنى الشاعر بقوله:
    سل المفتي المكي هل في تزاورٍ ... وضمة مشتاق الفؤاد جناح
    فقال معاذ الله أن يذهب التقى ... تلاصق أكبادٍ بهن جراح فلما بلغه البيتان قال: والله ما قلت شيئاً من هذا (2)
    [وحكي عن وكيع قال: قال لي أبو حنيفة النعمان بن ثابت: أخطأت في خمسة أبواب في المناسك بمكة فعلمنيها حجام، وذلك إني أردت أن أحلق 
    رأسي، فقال لي: أعربي أنت قلت: نعم، وكنت قد قلت له: بكم تحلق رأسي فقال: النسك لا يشارط فيه، اجلس، فجلست منحرفاً عن القبلة، فأومأ لي باستقبال القبلة، وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الأيسر، فقال: أدر شقك الأيمن من رأسك، فأدرته، وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت فقال لي: كبر، فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب فقال: أين تريد قلت: رحلي فقال: صلي ركعتين وامض، فقلت: ما ينبغي أن يكون هذا من مثل هذا الحجام إلا ومعه علم، فقلت: من أين لك ما رأيتك أمرتني به فقال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا.
    وحكي عن خليفة بن سلام عن يونس قال: سمعت الحسن البصري ذات يوم في مجلسه يقول: اعتبروا من المنافق بثلاث، إن حدث كذب، وإن اؤتمن خان وإن وعد أخلف، فبلغ ذلك عطاء فقال: قد كانت هذا الخلال الثلاث في ولد يعقوب، حدثوه فكذبوه، وائتمنهم فخانوه، ووعده فأخلفوه، فأعقبهم الله النبوة فبلغ الحسن فقال: {وفوق كل ذي علم عليم} (يوسف: 76)  .
    ونقل أصحابنا عن مذهبه أنه كان يرى إباحة وطء الجواري بإذن أربابهن؛ وحكى أبو الفتوح العجلي - المقدم ذكره في حرف الهمزة - في كتاب " شرح مشكلات الوسيط والوجيز " في الباب الثالث من كتاب الرهن ما مثاله: وحكي عن عطاء أنه كان يبعث بجواريه إلى ضيفانه، والذي أعتقد أنا أن هذا بعيد، فإنه ولو رأى الحل لكن المروءة والغيرة تأبى ذلك فكيف يظن هذا بمثل ذلك السيد الإمام ولم أذكره إلا لغرابته.
    وكلن أسود أعور أفطس أشل أعرج، ثم عمي، مفلفل الشعر. قال سليمان بن رفيع: دخلت المسجد الحرام والناس مجتمعون على رجل فاطلعت فإذا عطاء بن أبي رباح جالس كأنه غراب أسود.
    توفي سنة خمس عشرة ومائة، وقيل أربع عشرة ومائة، وعمره ثمان وثمانون سنة، رضي الله عنه، وقال ابن أبي ليلى: حج عطاء سبعين حجة وعاش مائة سنة، والله أعلم.
    ورباح: بفتح الراء والباء الموحدة.
    وأسلم: بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح اللام.
    وفهر: بكسر الفاء وسكون الهاء وبعدها راء.
    وجمح: بضم الجيم وفتح الميم وبعدها حاء مهملة.
    والباقي معلوم.
    والجند: بفتح الجيم والنون وبعدها دال مهملة، وهي بلدة مشهورة باليمن خرج منها جماعة من العلماء، رحمهم الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق