الأحد، 9 أبريل 2017

التهامي الشاعر

    أبو الحسن علي بن محمد التهامي الشاعر المشهور؛ قال ابن بسام الأندلسي في كتاب " الذخيرة " في حقه: كان مشتهر الإحسان، ذرب اللسان، مخلى بينه وبين ضروب البيان، يدل شعره على فوز القدح، دلالة برد النسيم على الصبح، ويعرب عن مكانه من العلوم، إعراب الدمع على سر الهوى المكتوم.
    قلت: وله ديوان شعر صغير أكثره نخب. ومن لطيف نظمه قوله من جملة قصيدة طويلة مدح بها الوزير أبا القاسم ابن المغربي - المقدم ذكره في حرف الحاء  :
    قلت لخلي وثغور الربا ... مبتسمات وثغور الملاح
    أيهما أحلى ترى منظراً ... فقال: لا أعلم، كلٌ أقاح
    ومثل هذا ما ينسب إلى ابن سناء الملك - الآتي ذكره - وهو  :
    فتحيرت أحسب الثغر عقداً ... لسليمى وأحسب العقد ثغرا
    فلثمت الجميع قطعاً لشكي ... وكذا فعل كل من يتحرى وله في المديح وقد بالغ فيه:
    أعطى وأكثر فاستقل هباته ... فاستحيت الأنواء وهي هوامل
    فاسم السحاب لديه وهو كنهور ... آلٌ، وأسماء البحور جداول وله مرثية في ولده، وكان قد مات صغيراً، وهي في غاية الحسن ولم يمنعني من الإتيان بها إلا أن الناس يقولون: إنها محدودة، فتركتها، لكن من جملتها بيتان في الحساد ومعناهما غريب فأثبتهما  :
    إني لأرحم حاسدي لحر ما ... ضمت صدورهم من الأوغار
    نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنة، وقلوبهم في نار
    ومنها في ذم الدنيا:
    طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاء والأكدار
    ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
    وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفيرٍ هار ومنها:
    جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري
    وتلهب الأحشاء شيب مفرقي ... هذا الشعاع شواظ تلك النار
    ومعنى هذا البيت مأخوذ من قول أبي نصر سعيد بن الشاه، وهو:
    قالت اسود عارضاك بشعرٍ ... وبه تقبح الوجوه الحسان
    قلت أشعلت في فؤادي ناراً ... فعلى وجنتي منه دخان وله من جملة قصيدة طويلة :
    كم قلت إياك الحجاز فإنه ... ضريت جآذره بصيد أسوده
    وأردت صيد مها الحجاز فلم يسا ... عدك القضاء فصرت بعض صيوده 
    ومن شعره المشهور قوله:
    بين كريمين مجلسٌ واسع ... والود حال يقرب الشاسع
    والبيت إن ضاق عن ثمانية ... متسعٌ بالوداد للتاسع وله بيت بديع من جملة قصيدة وهو  :
    وإذا جافاك الدهر وهو أبو الورى ... طراً فلا تعتب على أولاده وكان التهامي المذكور قد وصل إلى الديار المصرية مستخفياً، ومعه كتب كثيرة من حسان بن مفرج بن دغفل البدوي وهو متوجه إلى بني قرة، فظفروا به، فقال: أنا من بني تميم، فلما انكشفت حاله عرف أنه التهامي الشاعر، فاعتقل في خزانة البنود، وهو سجن بالقاهرة المحروسة، وذلك لأربع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربعمائة، ثم قتل سراً في سجنه في تاسع جمادى الأولى من السنة المذكورة، رحمه الله تعالى. وكان أصفر اللون، هكذا نقلته من بعض تواريخ المصريين، وهو مرتب على الأيام، قد كتب مؤلفه كل يوم وما جرى فيه من الحوادث، رأيت منه مجلداً واحداً، ولا أعلم كم عدد مجلداته. وبعد موته رآه بعض أصحابه في النوم، فقال له: ما فعل الله بك فقال: غفر لي، فقال: بأي الأعمال فقال: بقولي في مرثية ولدي الصغير:
    جاورت أعدائي وجاور ربه ... شتان بين جواره وجواري والتهامي: بكسر التاء المثناة من فوقها وفتح الهاء وبعد الألف ميم، هذه النسبة إلى تهامة، وهي تنطلق على مكة، حرسها الله تعالى، ولذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: تهامي لأنه منها، وتنطلق أيضاً على جبال تهامة وبلادها، وهي خطة متسعة بين الحجاز وأطراف اليمن، ولا أعلم هل نسبة هذا الشاعر إلى مكة أم إليها، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق