الخميس، 9 مارس 2017

التاج الكندي

أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد الكندي الملقب تاج الدين البغدادي المولد والمنشأ الدمشقي الدار والوفاة المقرئ النحوي الأديب؛ كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع، وشهرته تغني عن الاطناب في وصفه، وكان قد لقي جلة المشايخ وأخذ عنهم، منهم الشريف أبو السعادات ابن الشجري وأبو محمد ابن الخشاب وابو منصور الجواليقي، وسافر عن بغداد في شبابه، وآخر عهده بها في سنة ثلاث وستين وخمسمائة  ، واستوطنت حلب حدة، وكان يبتاع الخيلع  ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها. ثم انتقل إلى دمشق، وصحب الأمير عز الدين فروخ شاه بن شاهان شاه، وهو ابن أخي السلطان صلاح الدين، واختص به وتقدم عنده وسافر في صحبته إلى الديار المصرية واقتنى من كتب خزائنها كل نفيس، وعاد إلى دمشق واستوطنها، وقصده الناس وأخذوا عنه، وله كتاب مشيخه على حروف المعجم.
أخبرني أحد أصحابه أنه قال: كنت قاعداً على باب أبي محمد عبد الله بن الخشاب النحوي ببغداد، وقد خرج من عند أبو القاسم الزمخشري الإمام المشهور، وهو يمشي في جاون خشب فإن إحدى رجليه كانت قد سقطت من الثلج، ثال: والناس يقولون: هذا الزمخشري. ونقل من خطه: كان الزمخشري أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وأكثرهم أنساً واطلاعاً على كتبها، وبه ختم فضلاؤهم، وكان متحققاً بالاعتزال، قدم علينا بغداد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، ورأيته عند شيخنا أبي منصور الجواليقي، رحمه الله تعالى، مرتين قارئاً عليه بعض كتب اللغة من فواتحها ومستجيزاً لها، لأنه لم يكن له على ما عنده من العلم عفا الله عنه وعنا.
وأخبرني الشيخ مهذب الدين أبو الطالب محمد المعروف بابن الخيمي بالقاهرة المحروسة قال: كتب إلي الشيخ الدين الكندي من دمشق من جملة أبيات:
أيها الصاحب المحافظ قد حم ... لتنا من وفاء عهدك دينا
نحن بالشام رهن شوق إليكم ... هل لديكم بمصر شوق إلينا
قد غلبنا بما حرمنا عليكم ... وغلبتم بما رزقتم علينا
فعجزنا عن أن ترونا لديكم ... وعجزتم عن أن نراكم لدينا حفظ الله عهد من حفظ العهد وأوفى به كما قد وفينا ... قال: فكتبت جوابها أبياتاً من جملتها:
أيها الساكنون بالشام من كندة إنا بعهدكم ما وفينا ...
لو قضينا حق المودة كنا ... نحبنا بعد بعدكم قد قضينا وأنشدني له الشيخ مهذب الدين المذكور:
دع المنجم يكبو في ضلالته ... إن ادعى علم ما يجري به الفلك
تفرد الله بالعلم القديم فلا ال ... إنسان يشركه فيه ولا الملك
أعد للرزق من اشراكه شركاً ... وبئست العدتان الشرك والشرك وكتبت إليه أبو شجاع ابن الدهان الفرضي، الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف الميم:
يا زيد زادك ربي من مواهبه ... نعمى يقصر عن إدراكها الأمل
لا غير الله حالاً قد حباك بها ... ما دار بين النحاة الحال والبدل
النحو أنت أحق العالمين به ... أليس باسمك فيه يضرب المثل ومن شعر الشيخ تاج الدين، وقد طعن في السن:
أرى المرء يهوى أن تطول حياته ... وفي طولها إرهاق ذلك وإزهاق
تمنيت في عصر الشبيبة أنني ... أعمر والأعمار لا شك أرزاق
فلما أتاني ما تمنيت ساءني ... من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق
يخيل لي فكري إذا كنت خالياً ... رُكوبي على الأعناق والسير إعناق
ويذكرني مَرُّ النسيم ورَوْحُهُ ... حفائر يعلوها من الترب أطباق
وها أنا في إحدى وتسعين حجة ... لها في إرعاد مخوف وإبراق
يقولون ترياق لمثلك نافع ... وما لي إلا رحمة الله ترياق
 وكانت ولادته بكرة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شعبان سنة عشرين وخمسمائة ببغدادن وتوفي يوم الاثنين ضحوة سادس شوال سنة ثلاثة عشرة وستمائة بدمشق، ودفن من يومه بجبل قاسيون، رحمه الله تعالى.
( وأما مهذب الدين المذكور فهو أبو طالب محمد بن ابي الحسن علي بن علي بن المفضل بن التامغاز، كذا أملى علي نسبه، وأنشدني كثيراً من شعره وشعر غيره، وكان اجتماعنا بالقاهرة المحروسة في مجالس عديدة، وأخبرني أن مولده في الثامن والعشرين من سوال سنة تسع وأربعين وخمسمائة بالحلة المزيدية، وتوفي يوم الأربعاء والعشرين من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ودفن من الغد بالقرافة الصغرى، وحضرت الصلاة عليه، وكان إماماً في اللغة راوية للشعر والأدب، رحمه الله تعالى.
وقاسيون: بفتح القاف وبعد الألف سين مكسورة مهملة وضم الياء المثناة من تحتها وبعد الواو الساكنة نون، وهو جبل مطل على دمشق، وفيه قبور أهلها وتُربهم وفيه مدارس ورباطات وجامع، وفيه نهران ثورا ويزيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق