الجمعة، 17 مارس 2017

أبو الطيب الطبري

أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري القاضي الفقيه الشافعي؛ كان ثقة صادقاً ديناً ورعاً عارفاً بأصول الفقه وفروعه، محققاً في علمه، سليم الصدر حسن الخلق صحيح المذهب، يقول الشعر على طريقة الفقهاء.
[ومن شعره ما أورده له الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي - المقدم ذكره - في الجزء الذي وضعه في أخبار أبي العلاء المعري، فقال مسنداً عنه: كتبت إلى أبي العلاء المعري الأديب حين وافى ببغداد، وكان قد نزل في سويقة غالب:
وما ذات در لا يحل لحالب ... تناوله واللحم منها محلل
لمن شاء في الحالين حياً وميتاً ... ومن شاء شرب الدر فهو مضلل
إذا طعنت في السن فاللحم طيب ... وآكله عند الجميع مغفل
وخرفانها للأكل فيها كزازة ... فما لحصيف الرأي فيهن مأكل
وما يجتني معناه إلا مبرز ... عليم بأسرار القلوب محصل فأجابني وأملى على الرسول في الحال ارتجالاً:
جوابان عن هذا السؤال كلاهما ... صواب، وبعض القائلين مضلل
فمن ظنه كرماً فليس بكاذب ... ومن ظنه نخلاً فليس يجهل
لحومهما الأعناب والرطب الذي ... هو الحل، والدر الرحيق المسلسل
ولكن ثمار النخل وهي غضيضة ... تمر وغض الكرم يجنى ويؤكل

يكلفني القاضي الجليل مسائلاً ... هي النجم قدراً بل أعز وأطول
ولو لم أجب عنها لكنت بجهلها ... جديراً ولكن من يودك مقبل فأجبته عنه، وقلت:
أنار ضمير من يعز نظيره ... من الناس طراً سابغ الفضل مكمل
ومن قلبه كتب العلوم بأسرها ... وخاطره في حدة النار مشعل
تساوى له سر المعاني وجهرها ... ومعضلها باد لديه مفصل
ولما أنار الحب قاد منيعه ... أسيراً بأنواع البيان يكبل
وقربه من كل فهم بشكفه ... وإيضاحه حتى رآه المغفل
وأعجب منه نظمه الدر مسرعاً ... ومرتجلاً من غير ما يتمهل
فيخرج من بحر ويسمو مكانه ... جلالاً إلى حيث الكواكب تنزل
فهنأه الله الكريم بفضله ... محاسنه والعمر فيها مطول

 فأجاب مرتجلاً وأملى على الرسول:
ألا أيها القاضي الذي بدهائه ... سيوف على أهل الخلاف تسلل
فؤادك ممهور من العلم آهل ... وجدك في كل المسائل مقبل
فإن كنت بين الناس غير ممول ... فأنت من الفهم المصون ممول
إذا أنت خاطبت الخصوم مجادلاً ... فأنت، وهم مثل الحمائم، أجدل
كأنك من في الشافعي مخاطب ... ومن قلبه تملي فما تتمهل
وكيف يرى علم ابن إدريس دارساً ... وأنت بإيضاح الهدى متكفل
تفضلت حتى ضاق ذرعي بشكر ما ... فعلت وكفي عن جوابك أجمل
لأنك في كنه الثريا فصاحة ... وأعلى ومن يبغي مكانك أسفل
فعذرك في أني أجبتك واثقاً ... بفضلك فالإنسان يسهو ويذهل
وأخطأت في إنفاذ رقعتك التي ... هي المجد لي منها أخير وأول
ولكن عداني أن أروم احتفاظها ... رسولك وهو الفاضل المتفضل

ومن حقها أن يصبح المسك عامراً ... لها وهي في أعلى المواضع تجعل
فمن كان في أشعاره متمثلاً ... فأنت امرؤ في العلم والشعر أمثل
تجملت الدنيا بأنك فوقها ... ومثلك حقاً من به تتجمل وذكر السمعاني في " الذيل " في ترجمة أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمويه اليزدي أنه كان له عمامة وقميص بينه وبين أخيه: إذا خرج ذاك قعد هذا في البيت، وإذا خرج هذا احتاج ذاك أن يقعد. قال السمعاني: وسمعته يقول يوماص، وقد دخلت عليه مع علي بن الحسين الغزنوي الواعظ مسلماً داره، فوجدناه عرياناً، متأزراً بمئزر، فاعتذر من العري وقال: نحن إذا غسلنا ثيابنا نكون كما قال القاضي أبو الطيب الطبري:
قوم إذا غسلوا ثياب جمالهم ... لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل

 عاش مائة سنة وسنتين، لم يختل عقله ولا تغير فهمه، يفتي ويستدرك على الفقهاء الخطأ ويقضي ببغداد ويحضر المواكب في دار الخلافة إلى أن مات.
تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاص، وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي وأبي القاسم بن كج بجرجان، ثم ارتحل إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرجسي فصحبه أربع سنين وتفقه عليه، ثم ارتحل إلى بغداد وحضر مجلس الشيخ ابي حامد الاسفرايني. وعليه اشتغل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وقال في حقه: " لم أر فيمن رأيت أكمل اجتهاداً واشد تحقيقاً وأجود نظراً منه ".
وشرح مختصر المزني وفروع أبي بكر ابن الحداد المصري، وصنف في الأوصل والمذهب والخلاف والجدل كتباً كثيرة.
وقال الشيخ أبو إسحاق: " لازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرست أصحابه في مسجده سنين بإذنه، ورتبني في حلقته 

واستوطن بغداد وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت أبي عبد الله الصيمري، ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته.
وكان مولده بآمل سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، وتوفي في شهر ربيع الأول يوم السبت لعشر بقين منه سنة خمسين واربعمائة، رحمه الله تعالى، ببغداد، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب وصلي عليه في جامع المنصور.
والطبري: قد تقدم الكلام عليه أنه منسوب إلى طبرستان.
وآمل: بمد الهمزة وضم الميم وبعدها لام، مدينة عظيمة هي قصبة طبرستان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق