الأربعاء، 1 مارس 2017

حماد عجرد

أبو عمرو - وقيل أبو يحيى - حماد بن عمر بن يونس بن كليب الكوفي - وقيل الواسطي - مولى بني سوأة بن عامر بن صعصعة المعروف بعجرد الشاعر المشهور؛ هو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ولم يشتهر إلا في العباسية، ونادم الوليد بن يزيد الأموي، وقدم بغداد في أيام المهدي، وقال علي بن الجعد: قدم علينا في أيام المهدي هؤلاء القوم: حماد عجرد ومطيع بن إياس الكناني ويحيى بن زياد، فنزلوا بالقرب منا فكانوا لا يطاقون خبثاً ومجانة.
وهو من الشعراء المجيدين، وبينه وبين بشار بن برد أهاج فاحشة، وله في بشار كل معنى غريب، ولولا فحشها لذكرت شيئاً منها، وكان بشار يضج منه، وقال بشار في حماد (1) :
إذا جئته في الحي أغلق بابه ... فلم تلقه إلا وأنت كمين
فقل لأبي يحيى متى تبلغ العلا ... وفي كل معروف عليك يمين وفيه يقول بشار أيضاً (2) :
نعم الفتى لو كان يعبد ربه ... ويقيم وقت صلاته حماد
وابيض من شرب المدامة وجهه ... وبياضه يوم الحساب (3) سواد وكان يبري النبل، وقيل إن أباه كان يبري النبل (4) ، وإنه هو لم يتعاط شيئاً من الصنائع. وكان ماجناً ظريفاً خليعاً متهماً في دينه بالزندقة؛ يحكى أنه كانت بينه وبين أحد الأثمة الكبار - وما يليق التصريح بذكر اسمه (5) - مودة، ثم تقاطعا، بلغه عنه أنه يتنقصه، فكتب إليه:
إن كان نسكك لا يتم ... بغير شتمي وانتقاصي
فاقعد وقسم بي كيف شئ ... ت مع الأداني والأقاصي
فلطالما زكيتني ... وأنا المصر (1) على المعاصي
أيام نأخذها ونعط ... ي في أباريق الرصاص ومن شعره أيضاً:
فأقسمت لو أصبحت في قبضة الهوى ... لأقصرت عن لومي وأطنبت في عذري
ولكن بلائي منك أنك ناصح ... وأنك لا تدري بأنك لا تدري [وذكر ابن قتيبة في كتاب " طبقات الشعراء " قال (2) : كان في الكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون: حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي، وكانوا يتعاشرون وكانوا كلهم يرمون بالزندقة.
وقيل إن حماد عجرد أهدى إلى مطيع بن إياس غلاماً وكتب معه: قد أهديت إليك من يتعلم عليه كظم الغيظ.
ولما أقعد حماد عجرد لتأديب ولد الأمين قال بشار بن برد:
قل للأمين جزاك الله صالحة ... لا تجمع الدهر بين السخل والذيب
فالسخل يعلم أن الذئب آكله ... والذئب يعلم ما في السخل من طيب 
وقال أيضاً:
يا أبا الفضل لا تنم ... وقع الذئب في الغنم
إن حماد عجرد ... شيخ سوء قد اغتلم
بين فخذيه حربة ... في غلاف من الأدم
إن رأى ثم غفلة ... مجج الميم في القلم 
فشاعت الأبيات، فأمر الأمين أن يخرج حماد.
ومن شعر حماد عجرد:
إن الكريم ليخفي عنك عسرته ... حتى تراه غنياً وهو مجهود
وللبخيل على أمواله علل ... زرق العيون عليها أوجه سود
إذا تكرهت أن تعطي القليل ولم ... تقدر على سعة لم يظهر الجود
بث النوال ولا يمنعك قلته ... فكل ما سد فقراً فهو محمود
 وأشعاره وأخباره مشهورة.
وتوفي في سنة إحدى وستين ومائة، رحمه الله تعالى. وقيل: كان من أهل واسط، وقتله محمد بن سليمان بن علي عامل البصرة بظاهر الكوفة على الزندقة في سنة خمس وخمسين ومائة، وقيل: خرج من الأهواز يريد البصرة، فمات في طريقه، فدفن على تل هناك، وقيل: مات سنة ثمان وستين ومائة.
ولما قتل المهدي بشار بن برد المقدم ذكره بالبطيحة، حمل ودفن على حماد عجرد، فمر على قبريهما أبو هشام الباهلي، فكتب عليهما :
قد اتبع الأعمى قفا عجرد ... فأصبحا جارين في دار
صارا جميعاً في يدي مالك ... في النار، والكافر في النار
قالت بقاع الأرض لا مرحباً ... بقرب حماد وبشار
 وعجرد - بفتح العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء وبعدها دال مهملة - وهو لقب عليه، وإنما قيل له ذلك لأنه مر به أعرابي وهو غلام يلعب مع الصبيان في يوم شديد البرد وهو عريان، فقال له: لقد تعجردت يا غلام، والمتعجرد: المتعري.
والمخضرم - بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء وبعدها ميم - أصل هذه اللفظة أن تطلق على الشاعر الذي أدرك الجاهلية 
والإسلام مثل لبيد والنابغة الجعدي وغيرهما، ثم توسع فيها حتى صارت تطلق على من أدرك دولتين، وسمع في ذلك أيضاً محضرم بالحاء المهملة وسمع بكسر الراء أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق