الخميس، 2 مارس 2017

خالد بن عبد الله القسري

    أبو يزيد وأبو الهيثم خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري؛ ذكره هشام بن الكلبي في كتاب " جمهرة النسب "، فقال: هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن كرز بن عامر بن عبد الله بن عبد شمس ابن غمغمة بن جرير بن شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن أفصى بن نذير بن قسر، وهو مالك، بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث بن نبث بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان  ، قال ابن ماكولا: يقال القسري والقصري.
    كان أمير العراقين من جهة هشام بن عبد الملك الأموي، ولي مكة سنة تسع وثمانين للهجرة، وأمه نصراينه، وكان لجده يزيد صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خالد معدوداً من جملة  خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة  ، وكان جواداً كثير العطاء، دخل عليه شاعر يوم جلوسه للشعراء وقد مدحه ببيتين، فلما رأى اتساع الشعراء في القول استصغر ما قال، فسكت حتى انصرفوا، فقال له خالد: ما حاجتك فقال: مدحت الأمير ببيتين، فلما سمعت قول الشعراء احتقرت بيتي، فقال: ما هما فأنشده  :
    تبرعت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب
    فأنت الندى وابن الندى وأبو الندى ... حليف الندى ما للندى عنك مذهب فقال: ما حاجتك فقال: علي دين، فأمر بقضائه وأعطاه مثله.
    [وحكى عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: دخل أعرابي على خالد القسري فقال: قد امتدحتك ببيتين ولست أنشدكما إلا بعشرة آلاف درهم وخادم، قال: قل، فأنشأ يقول:
    لزمت " نعم " حتى كأنك لم تكن ... سمعت من الأشياء شيئاً سوى نعم
    وأنكرت " لا " حتى كأنك لم تكن ... سمعت بها في سالف الدهر والأمم فقال: أعطه يا غلام عشرة آلاف درهم وخادماً، فتسلمها؛ ودخل عليه
    أعرابي فقال: قد قلت شعراً، وأنشأ يقول:
    أخالد إني لم أزرك لحاجة ... سوى أنني عاف وأنت جواد
    أخالد إن الأجر والحمد حاجتي ... فأيهما تأتي وأنت عماد
    فقال له خالد: سل يا أعرابي؛ قال، وجعلت المسألة إلي أصلح الله الأمير قال: نعم، قال: مائة ألف درهم، قال: أكثرت يا أعرابي، قال: فأحطك قال: نعم، قال: قد حططتك تسعين ألفاً، قال له خالد: يا أعرابي لا أدري من أي أمريك أعجب، فقال: أصلح الله الأمير، أنت جعلت المسألة إلي فسألتك على قدرك وما تستحقه في نفسك، فلما سألتني أن أحط حططت على قدري وما استأهله في نفسي، فقال له خالد: والله يا أعرابي لا تغلبني؛ يا غلام أعطه مائة ألف درهم، فدفعها إليه]  .
    وكتب إليه هشام بن عبد الملك: " بلغني أن رجلاً قام إليك فقال: إن الله جواد وأنت جواد، وإن الله كريم وأنت كريم، حتى عد عشر خصال، ووالله لئن لم تخرج من هذا لأستحلن دمك "؛ فكتب إليه خالد: " نعم يا أمير المؤمنين قام إلي فلان فقال: الله كريم يحب الكريم، فأنا أحبك لحب الله إياك، ولكن أشد من هذا مقام ابن شقي البجلي إلى أمير المؤمنين فقال: خليفتك أحب إليك أم رسولك فقلت: بل خليفتي، فقال: أنت خليفة الله ومحمد رسول الله " والله لقتل رجل من بجيلة أهون على الخاصة والعامة من كفر أمير المؤمنين، هكذا ذكره الطبري في تاريخه.
    وكان خالد يتهم في دينه  ، وبنى لأمه كنيسة تتعبد فيها، وفي ذلك يقول الفرزدق يهجوه:
    ألا قبح الرحمن ظهر مطية ... أتتنا تهادى من دمشق بخالد 
    وكيف يؤم الناس من كانت أمه  ... تدين بأن الله ليس بواحد
    بنى بيعة فيها الصليب لأمه ... ويهدم من بغض منار المساجد
    ثم إن هشاماً عزل خالداً عن العراقين في جمادى الأولى سنة عشرين ومائة، وذكر الطبري في تاريخه أن هشام بن عبد الملك عزل عمر بن هبيرة عن العراق وولاه خالداً في شوال سنة خمس ومائة، ثم عزله وولى يوسف بن عمر الثقفي - وهو ابن عم الحجاج - وكان سبب عزل خالد  أن امرأة أتته فقالت: أصلح الله الأمير! إني امرأة مسلمة، وإن عاملك فلاناً المجوسي وثب علي فأكرهني على الفجور وغصبني نفسي، فقال لها: كيف وجدت قلفته فكتب بذلك حسان النبطي إلى هشام، وعند هشام يومئذ رسول يوسف بن عمر، وقد كان يوسف وجهه إليه من اليمن في بعض حاجته فاحتبسه  هشام عنده يوماً، حتى إذا جنه الليل دعا به فكتب معه إلى يوسف بولاية العراق ومحاسبة خالد وعماله، وأمره أن يستخلف ابنه الصلت على اليمن، فخرج يوسف في نفر يسير، فسار من صنعاء إلى الكوفة على الرحال في سبع عشرة مرحلة حتى قدم الكوفة سحراً، ثم اخذ خالداً وعماله وحبسه وحاسبه وعذبه، ثم قتله في أيام الوليد بن يزيد، قيل: إنه وضع قدميه بين خشبتين وعصرهما حتى انقصفا، ثم رفع الخشبتين إلى ساقيه وعصرهما حتى انقصفا، ثم إلى وركيه، ثم إلى صلبه، فلما انقصف صلبه مات وهو في ذلك كله لا يتأوه ولا ينطق، وكان ذلك في المحرم سنة ست وعشرين، وقيل في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ومائة بالحيرة، ودفن في ناحية منها ليلاً، رحمه الله تعالى.
    والحيرة بينها وبين الكوفة فرسخ، كانت منزل آل النعمان بن المنذر ملوك العرب.ولما كان خالد في سجن يوسف مدحه أبو الشغب العبسي بهذه الأبيات، وهي في " كتاب الحماسة "  :
    ألا إن خير الناس حياً وميتاً ... أسير ثقيف عندهم في السلاسل
    لعمري لئن عمرتهم السجن خالداً ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل
    لقد كان نهاضاً بكل ملمة ... ومعطي اللها غمراً كثير النوافل
    وقد كان يبني المكرمات لقومه ... ويعطي اللها في كل حق وباطل
    فإن تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل
    وكان يوسف جعل على خالد في كل يوم حمل مال معلوم، إن لم يقم به في يومه عذبه، فلما مدحه أبو الشغب بهذه الأبيات وأوصلها إليه كان قد حصل في قسط يومه سبعين ألف درهم، فأنفذها له، وقال: اعذرني فقد ترى ما أنا فيه، فردها أبو الشغب وقال: لم أمدحك لمال وأنت على هذه الحال، ولكن لمعروفك وإفضالك، فأنفذها إليه ثانياً وأقسم عليه ليأخذنها فأخذها، وبلغ ذلك يوسف فدعاه وقال: ما حملك على فعلك، ألم تخش العذاب فقال: لأن أموت عذاباً أسهل علي من كفي بذلي، لا سيما على من مدحني .
    وذكر أبو الفرج الاصبهاني  أن خالداً كان من ولد شق الكاهن، وهو خالد بن عبد الله بن أسد بن يزيد بن كرز، وذكر أن كرزاً كان دعياً، وأنه كان من اليهود، فجنى جناية فهرب إلى بجيلة فانتسب فيهم، ويقال: كان عبداً لعبد القيس، وهو ابن عامر ذي الرقعة، وسمي بذي الرقعة لأنه كان أعور يغطي عينه برقعة، وذو الرقعة هو ابن عبد شمس بن جوين بن شق الكاهن بن صعب؛ انتهى كلام أبي الفرج.
    قلت أنا: كان شق المذكور ابن خالة سطيح الكاهن الذي بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقصته في تأويل الرؤيا في ذلك مشهورة، وهي مستوفاة في السيرة، وكان شق وسطيح من أعاجيب الدنيا، أما سطيح فكان جسداً ملقى لا جوارح له، وكان وجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق، وكان لا يقدر على الجلوس، إلا أنه إذا غضب انتفخ فجلس، وكان شق نصف إنسان، ولذلك قيل له شق، أي شق إنسان، فكانت له يد واحدة ورجل واحدة  وعين واحدة وفتح عليهما في الكهانة ما هو مشهور عنهما، وكانت ولادتهما في يوم واحد، وفي ذلك اليوم توفيت طريفة ابنة الخير الحميرية الكاهنة زوجة عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء، ولما ولدا دعت بكل واحد منهما وتفلت في فيه، وزعمت أنه سيخلفها في علمها وكهانتها، ثم ماتت من ساعتها ودفنت بالجحفة، وعاش كل واحد من شق وسطيح ستمائة سنة.
    وكرز: بضم الكاف وسكون الراء وبعدها زاي.
    والقسري - بفتح القاف وسكون السين المهملة وبعدها راء - هذه النسبة إلى قسر بن عبقر، وهي بطن من بجيلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق