أبو علي دعب بن علي بن رزين بن سليمان الخزاعي الشاعر المشهور، وذكر صاحب الأغاني: أنه دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل - وقيل بهنس - بن خراش بن خالد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن اسلم ابن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر مزيقيا ويكنى: أبا علي. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: هو دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله ابن بديل بن ورقاء الخزاعي.
أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسيا وأقام ببغداد، وقيل إن دعبلاً لقب واسمه الحسن، وقيل عبد الرحمن، وقيل محمد، وكنيته أبو جعفر والله أعلم. ويقال: إنه كان أطروشاً وفي قفاه سلعة .
كان شاعراً مجيداً، إلا أنه كان بذي اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم، وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتف ، أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك، ولما عمل في إبراهيم بن المهدي - المقدم ذكره - الأبيات التي أثبتها في ترجمته وأولها:
نعر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا إليه كل أطلس مائق
دخل إبراهيم على المأمون فشكا إليه حاله، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه، فقال المأمون: ما قال لعل قوله:
نعر ابن شكلة بالعراق ... ... وأنشد الأبيات، فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا، فقال المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في :
أيسومني المأمون خطة جاهل ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد
إني من القوم الذين سيوفهم ... قَتَلتْ أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال إبراهيم: زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً فيما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك.
وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وحصاره بغداد، وقتله الأمين محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة. والقصة مشهورة، ودعبل خزاعي، فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد هذه الأبيات يقول: قبح الله دعبلاً فما أوقحه ، كيف يقول عني هذا وقد ولدت في حجر الخلافة ورضعت يديها وربيت في مهدها
[ومثل هذا الحلم بل أعظم ما حكي عن الواثق أنه كان يحب الباذنجان ويكثر من أكله ومعظم الرمد بالعراق من أكل الباذنجان لحر الإقليم والسوداء المتولدة من أكله، فبعث إليه أبوه المعتصم وقال له: دع أكل الباذنجان واحفظ بصرك فمتى رأيت خليفة أعمى فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين إني تصدقت بعيني على الباذنجان، ثم رمد رمدة صعبة ما تخلص منها إلا وعلى إحدى عينيه بياض كاد يسدها، وكان المسدود الشاعر قد هجا الواثق وهو ولي عهد أبيه، وسمي المسدود لجسم سد منخريه فعمل:
من المسدود في الأنف ... إلى المسدود في العين
فيا طبلاً له رأس ... ويا طبلاً برأسين فلما كان يوم تفرقة العطاء كتب المسدود مستحقه في ورقة وجعلها في عمامته مع ورقة الهجو ثم دخل على الخليفة فناوله ورقة الهجو فقرأها وضحك وقال: خذ هذه وهات ورقة المستحق ولا تعد في مثل هذا، وقضى حاجته] .
وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير، وعليه تخرج دعبل في الشعر (2) ، فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان أو فارس ثم إني ظفرت بالجهة التي تولاها مسلم وهي جرجان من ناحية خراسان ولاه إياها الفضل بن سهل - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما، فلم يلتفت مسلم إليه، ففارقه وعمل (:
غششت الهوى حتى تداعت أصوله ... بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا
وأنزلت من بين الجوانح والحشا ... ذخيرة ود طالما قد تمنعا
فلا تعذلني ليس لي فيك مطمع ... تخرقت حتى لم أجد لك مرقعاً
وهبك يميني استأكلت فقطعتها ... وصبرت قلبي بعدها فتشجعا
وكانت ولادة دعبل في سنة ثمان وأربعين ومائة، وتوفي سنة ست وأربعين ومائتين بالطيب، وهي بلدة بين واسط العراق وكور الأهواز، رحمه الله تعالى.
وجده رزين مولى عبد الله بن خلف الخزاعي، والد طلحة الطلحات، وكان عبد الله المذكور كاتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على ديوان الكوفة، وولي طلحة سجستان فمات بها، رحمه الله تعالى.
ولما مات دعبل - وكان صديق البحتري، وكان أبو تمام الطائي قد مات قبله كما تقدم - رثاهما البحتري بأبيات منها :
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي ... مثوى حبيب يوم مات ودعبل
أخوي لا تزل السماء مخيلة ... تغشاكما بسماء مزن مسبل
جدث على الأهواز يبعد دونه ... مسرى النعي ورمة بالموصل
أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسيا وأقام ببغداد، وقيل إن دعبلاً لقب واسمه الحسن، وقيل عبد الرحمن، وقيل محمد، وكنيته أبو جعفر والله أعلم. ويقال: إنه كان أطروشاً وفي قفاه سلعة .
كان شاعراً مجيداً، إلا أنه كان بذي اللسان مولعاً بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم، وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتف ، أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك، ولما عمل في إبراهيم بن المهدي - المقدم ذكره - الأبيات التي أثبتها في ترجمته وأولها:
نعر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا إليه كل أطلس مائق
دخل إبراهيم على المأمون فشكا إليه حاله، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله سبحانه وتعالى فضلك في نفسك علي وألهمك الرأفة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه، فقال المأمون: ما قال لعل قوله:
نعر ابن شكلة بالعراق ... ... وأنشد الأبيات، فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو أقبح من هذا، فقال المأمون: لك أسوة بي فقد هجاني واحتملته، وقال في :
أيسومني المأمون خطة جاهل ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد
إني من القوم الذين سيوفهم ... قَتَلتْ أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد
فقال إبراهيم: زادك الله حلماً يا أمير المؤمنين وعلماً فيما ينطق أحدنا إلا عن فضل علمك ولا يحلم إلا اتباعاً لحلمك.
وأشار دعبل في هذه الأبيات إلى قضية طاهر بن الحسين الخزاعي - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وحصاره بغداد، وقتله الأمين محمد بن الرشيد، وبذلك ولي المأمون الخلافة. والقصة مشهورة، ودعبل خزاعي، فهو منهم، وكان المأمون إذا أنشد هذه الأبيات يقول: قبح الله دعبلاً فما أوقحه ، كيف يقول عني هذا وقد ولدت في حجر الخلافة ورضعت يديها وربيت في مهدها
[ومثل هذا الحلم بل أعظم ما حكي عن الواثق أنه كان يحب الباذنجان ويكثر من أكله ومعظم الرمد بالعراق من أكل الباذنجان لحر الإقليم والسوداء المتولدة من أكله، فبعث إليه أبوه المعتصم وقال له: دع أكل الباذنجان واحفظ بصرك فمتى رأيت خليفة أعمى فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين إني تصدقت بعيني على الباذنجان، ثم رمد رمدة صعبة ما تخلص منها إلا وعلى إحدى عينيه بياض كاد يسدها، وكان المسدود الشاعر قد هجا الواثق وهو ولي عهد أبيه، وسمي المسدود لجسم سد منخريه فعمل:
من المسدود في الأنف ... إلى المسدود في العين
فيا طبلاً له رأس ... ويا طبلاً برأسين فلما كان يوم تفرقة العطاء كتب المسدود مستحقه في ورقة وجعلها في عمامته مع ورقة الهجو ثم دخل على الخليفة فناوله ورقة الهجو فقرأها وضحك وقال: خذ هذه وهات ورقة المستحق ولا تعد في مثل هذا، وقضى حاجته] .
وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير، وعليه تخرج دعبل في الشعر (2) ، فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان أو فارس ثم إني ظفرت بالجهة التي تولاها مسلم وهي جرجان من ناحية خراسان ولاه إياها الفضل بن سهل - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما، فلم يلتفت مسلم إليه، ففارقه وعمل (:
غششت الهوى حتى تداعت أصوله ... بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا
وأنزلت من بين الجوانح والحشا ... ذخيرة ود طالما قد تمنعا
فلا تعذلني ليس لي فيك مطمع ... تخرقت حتى لم أجد لك مرقعاً
وهبك يميني استأكلت فقطعتها ... وصبرت قلبي بعدها فتشجعا
ومن شعره في الغزل :
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سُفِكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سُفِكا
لا تأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا ومن شعره في مدح المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي أمير مصر :
زمني بمطلب سقيت زمانا ... ما كنت إلا روضة وجنانا
كل الندى إلا نداك تكلف ... لم أرض غيرك كائناً من كانا
أصلحتني بالبر بل أفسدتني ... وتركتني أتسخط الإحسانا ومن كلامه: من فضل الشعر أنه لم يكذب أحد قط إلا اجتواه الناس، إلا الشاعر فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له، ثم لا يقنع له بذلك حتى يقال له: أحسنت والله، فلا يشهد له شهادة زور إلا ومعها يمين بالله تعالى.
وقال دعبل : كنا يوماً عند سهل بن هارون الكاتب البليغ، وكان شديد البخل، فأطلنا الحديث، واضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بقصعة فيها ديك عاس هرم لا تخرقه سكين ولا يؤثر فيه ضرس، فأخذ كسرة خبز فخاض بها مرقته، وقلب جميع ما في القصعة، ففقد الرأس، فبقي مطرقاً ساعة، ثم رفع رأسه وقال للطباخ: أين الرأس فقال: رميت به، قال: ولم قال: ظننت أنك لا تأكله، فقال: لبئس ما ظننت، ويحك والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف من يرمي رأسه، والرأس رئيس، وفيه الحواس الأربع، ومنه يصيح، ولولا صوته لما فضل، وفيه فرقه (5) الذي يتبرك به، وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال: شراب كعين الديك، وماغه عجب لوجع الكليتين، ولم ير عظم قط أهش من عظم رأسه، أو ما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق فإن كان قد بلغ من نبلك (1) أنك لا تأكله فانظر أين هو، قال: والله لا أدري أين هو، رميت به، قال: لكني أدري أين هو، رميت به في بطنك فالله حسبك.
ودعبل ابن عم أبي جعفر بن عبد الله بن رزين الملقب أبا الشيص الخزاعي الشاعر المشهور، وكان أبو الشيص من مداح الرشيد، ولما مات رثاه ومدح ولده الأمين.زمني بمطلب سقيت زمانا ... ما كنت إلا روضة وجنانا
كل الندى إلا نداك تكلف ... لم أرض غيرك كائناً من كانا
أصلحتني بالبر بل أفسدتني ... وتركتني أتسخط الإحسانا ومن كلامه: من فضل الشعر أنه لم يكذب أحد قط إلا اجتواه الناس، إلا الشاعر فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له، ثم لا يقنع له بذلك حتى يقال له: أحسنت والله، فلا يشهد له شهادة زور إلا ومعها يمين بالله تعالى.
وقال دعبل : كنا يوماً عند سهل بن هارون الكاتب البليغ، وكان شديد البخل، فأطلنا الحديث، واضطره الجوع إلى أن دعا بغدائه، فأتي بقصعة فيها ديك عاس هرم لا تخرقه سكين ولا يؤثر فيه ضرس، فأخذ كسرة خبز فخاض بها مرقته، وقلب جميع ما في القصعة، ففقد الرأس، فبقي مطرقاً ساعة، ثم رفع رأسه وقال للطباخ: أين الرأس فقال: رميت به، قال: ولم قال: ظننت أنك لا تأكله، فقال: لبئس ما ظننت، ويحك والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف من يرمي رأسه، والرأس رئيس، وفيه الحواس الأربع، ومنه يصيح، ولولا صوته لما فضل، وفيه فرقه (5) الذي يتبرك به، وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال: شراب كعين الديك، وماغه عجب لوجع الكليتين، ولم ير عظم قط أهش من عظم رأسه، أو ما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق فإن كان قد بلغ من نبلك (1) أنك لا تأكله فانظر أين هو، قال: والله لا أدري أين هو، رميت به، قال: لكني أدري أين هو، رميت به في بطنك فالله حسبك.
وكانت ولادة دعبل في سنة ثمان وأربعين ومائة، وتوفي سنة ست وأربعين ومائتين بالطيب، وهي بلدة بين واسط العراق وكور الأهواز، رحمه الله تعالى.
وجده رزين مولى عبد الله بن خلف الخزاعي، والد طلحة الطلحات، وكان عبد الله المذكور كاتب عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على ديوان الكوفة، وولي طلحة سجستان فمات بها، رحمه الله تعالى.
ولما مات دعبل - وكان صديق البحتري، وكان أبو تمام الطائي قد مات قبله كما تقدم - رثاهما البحتري بأبيات منها :
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي ... مثوى حبيب يوم مات ودعبل
أخوي لا تزل السماء مخيلة ... تغشاكما بسماء مزن مسبل
جدث على الأهواز يبعد دونه ... مسرى النعي ورمة بالموصل
ودعبل - بكسر الدال وسكون العين المهملتين وكسر الباء الموحدة وبعدها لام - وهو اسم الناقة الشارف، وكان يقول: مررت يوماً برجل قد أصابه الصرع، فدنوت منه وصحت في أذنه بأعلى صوتي: دعبل، فقام يمشي كأنه لم يصبه شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق