السبت، 13 مايو 2017

ابن الهبارية

    الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمد بن عبد الله ابن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي المعروف بابن الهبارية الملقب نظام الدين (2) البغدادي الشاعر المشهور؛ كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لايكاد يسلم من لسانه أحد.
    وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال : من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف، وسبك في قالب ابن حجاج وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة، والنظيف من شعره في غاية الحسن؛ انتهى كلام العماد.
    وكان ملازما لخدمة نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق وزير السلطان ألب أرسلان وولده ملك شاه - وقد تقدم ذكره في حرف الحاء  - وله عليه الإنعام التام والإدرار المستمر، وكان بين نظام الملك وتاج الملك أبي الغنائم بن دارست شحناء ومنافسة، كما جرت العادة بمثله بين الرؤساء، فقال أبو الغنائم لابن الهبارية: إن هجوت نظام الملك فلك عندي كذا، وأجزل له الوعد فقال: كيف أهجو شخصا لا أرى في بيتي شيئا إلا من نعمته فقال لا بد من هذا، فعمل  :
    لا غرو إن ملك ابن إس ... حاق وساعده القدر
    وصفت له الدنيا وخ ... ص أبو الغنائم بالكدر
    فالدهر كالدولاب لي ... س يدور إلا بالبقر
    فبلغت الأبيات نظام الملك، فقال: هو يشير إلى المثل الساءر على ألسن الناس، وهو قولهمأهل طوس بقروكان نظام الملك من طوس، وأغضى عنه ولم يقابله على ذلك بل زاد في إفضاله عليه، فكانت هذه معدودة من مكارم أخلاق نظام الملك وسعة حلمه. وكان مع فرط إحسان كظام الملك إليه يقاسي من غلمانه وأتباعه شر مقاساة لما يعلمونه من بذاءة لسانه، فلما اشتد عليه الحال منهم كتب إلى نظام الملك:
    لذ بنظام الحضرتين الرضى ... إذا بنو الدهر تحاشوك
    واجل به عن ناظريك القذى ... إذا لئام القوم أعشوك
    واصبر على وحشة غلمانه ... لا بد للورد من الشوك
    وذكر العماد الأصبهاني فيالخريدة أنه أنفذ هذه الأبيات مع ولده إلى نقيب النقباء علي بن طراد الزبيبي، ولقبه نظام الحضرتين أبو الحسن.
    ومن شعره أيضا:
    وجهي يرق عن السؤا ... ل وحالتي منه أرق
    دقت معاني الفضل في ... وحرفتي منها أدق
    ومن معانيه الغريبة قوله في الرد على من يقول إن السفر به يبلغ الوطر:
    قالوا أقمت وما رزقت وإنما ... بالسير يكتسب اللبيب ويرزق
    فأجبتهم ما كل سير نافعا ... الحظ ينفع لا الرحيل المقلق
    كم سفرة نفعت، وأخرى مثلها ... ضرت، ويكتسب الحريص ويخفق
    كالبدر يكتسب الكمال بسيره ... وبه إذا حرم السعادة يمحق 
    وله أيضا:
    خذ جملة البلوى ودع تفصيلها ... ما في البرية كلها إنسان
    وإذا البياذق في الدسوت تفرزنت ... فالرأي أن يتبيذق الفرزان 
    وله على سبيل الخلاعة والمجون:
    يقول أبو سعيد إذ رآني ... عفيفا منذ عام ما شربت
    على يد أي شيخ قل لي ... فقلت على يد الإفلاس تبت
    وله في المعنى أيضا:
    رأيت في النوم عرسي وهي ممسكة ... أذني، وفي كفلها شيء من الأدم
    معوج الشكل مسود به نقط ... لكن أسفله في هيئة القدم
    [تظل ترقعني كيما ترنخني ... فصرت ألتئذ بالإيقاع والنغم]
    حتى تنبهت محمر القذال، ولو ... طال المنام  على الشيخ الأديب عمي
    وله أيضا:
    المجلس التاجي، دام جماله ... وجلاله وكماله، بستان
    والعبد فيه حمامة، تغريدها ... فيه المديح وطوقه الإحسان [وله:
    وعندي شوق دائم وصبابة ... ومن أنا ذا حتى أقول له عندي
    إلى رجل لو أن بعض ذكائه ... على كل مولود تكلم في المهد
    فلولا نداه خفت نار ذكائه ... عليه ولكن الندى مانع الوقد]
     
    وله أيضا:
    دعوه ما شاء فعل ... سيان صد أو وصل
    فكم رأينا قبلها ... أسود من ذا ونصل
    ومحاسنه كثيرة.
    وله كتاب نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنةوقد سبق في ترجمة البارع الدباس في حرف الحاء ذكر الأبيات الدالية وجوابها وما دار بينهما ، وسيأتي في ترجمة الوزير فخر الدولة محمد بن جهير واقعة لطيفة جرت له مع السابق الشاعر المعري، إن شاء الله تعالى.
    وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلدات  ، ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب دليلة ودمنة وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عش سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة، وسير الكتاب على يد ولده الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي صاحب الحلة - المقدم ذكره في حرف الصاد (3) - وختمه بهذه الأبيات ، وهي:
    هذا كتاب حسن ... تحار فيه الفطن
    أنفقت فيه مدة ... عشر سنين عدة
    منذ سمعت باسمكا ... وضعته برسمكا
    بيوته ألفان ... جميعها معاني
    لو ظل كل شاعر ... وناظم وناثر
    كعمر نوح التالد ... في نظم بيت واحد
    من مثله لما قدر ... ما كل من قال شعر
    أنفذته مع ولدي  ... بل مهجتي وكبدي
    وأنت عند ظني ... أهل لكل من
    وقد طوى إليكا ... توكلا عليكما
    مشقة شديدة ... سعيا وما ونيت
    إن الفخار والعلا ... إرثك من دون الورى
     فأجزل صلته وأسنى جائزته .
    وتوفي ابن الهبارية المذكور بكرمان سنة أربع وخمسمائة، هكذا قال العماد الأصبهاني في كتاب الخريدة بعد أن أقام مدة بأصبهان وخرج إلى كرمان وأقام  بها إلى آخر عمره، وقال ابن السمعاني: توفي بعد سنة تسعين وأربعمائة.
    والهبارية: بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف راء، هذه النسبة إلى هبار، وهو جد أبي يعلى المذكور لأمه.
    وكرمان: بكسر الكاف وقيل بقتحها وسكون الراء وفتح الميم وبعد الألف نون، وهي ولاية كبيرة تشتمل على مدن كبار وصغار، وخرج منها خلق من الأعيان، وهي متصلة بأطراف أعمال خراسان  ، ومن جانبها الآخر البحر، والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق