السبت، 13 مايو 2017

الأبلة الشاعر

    أبو عبد الله محمد بن بختيار بن عبد الله الولد، المعروف بالأبلة البغدادي، الشاعر المشهور أحد المتأخرين المجيدين، جمع في شعره بين الصناعة والرقة، وله ديوان شعر بايدي الناس كثير الوجود.
    وذكره العماد الكاتب الأصبهاني في كتاب " الخريدة "  فقال: هو شاب ظريف يتزيا بزي الجند، رقيق أسلوب الشعر حلو الصناعة رائق البراعة عذب اللفظ  ، أرق من النسيم السحري وحسن من الوشي التستري، وكلما ما ينظمه، ولو أنه يسير، يسير، والمغنون يغنون برائقات أبياته عن أصوات القدماء، فهم يتهافتون على نظمه المطرب تهافت الطير الحوم على عذب المشرب. ثم قال: أنشدني لنفسه من قصيدة سنة خمس وخمسين وخمسمائة ببغداد:
    زار من أحيا بزورته ... والدجى في لون طرته
    قمر يثني معانقه  ... بانة في طي بردته
    بت أستجلي المدام على ... غرة الواشي وغرته
    يا لها من زورة قصرت ... فأملت طول جفوته
    آه من حضر له وعلى ... رشفة من برد ريقته
    يا له في الحسن من صنم ... كلنا من جاهليته 
    ومن أبياته السائرة قوله من جملة قصيدة أنيقة:
    لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها
    ومن رقيق شعره قوله في غزل قصيدة:
    دعني أكابد لوعتي وأعاني ... أين الطليق من الأسير العاني
    آليت لا أدع الملام يغرني ... من بعد ما أخذ الغرام عناني
    أولا تروض (2) العاذلات وقد أرى ... روضات حسن في خدود حسان
    ولدي يلتمس السلو، ولم أزل ... حي الصبابة ميت السلوان
    يا برق إن تجف (3) العقيق فطالما ... أغنته عنك سحائب الأجفان
    هيهات أن أنسى رباك ووقفه ... فيها أغير بها على الغيران
    ومهفهف ساجي اللحاظ حفظته ... فأضاعني وأطعته فعصاني
    يصمي قلوب العاشقين بمقلة ... طرف السنان وطرفها سيان
    خنث الدلال: بشعره وبثغره ... يوم الوداع أضلني وهداني
    ما قام معتد لا يهز قوامه ... إلا وبانت خجلة في البان
    يا أهل نعمان إلى وجناتكم ... تعزى الشقائق لا إلى نعمان
    ما يفعل المران من يد قلب ... في القلب فعل مرارة الهجران 
    وهي قصيدة طويلة ومديحها جيد، وجميع شعره على هذا الأسلوب والنسق
    ومخالصة من الغزل إلى المدح في نهاية  الحسن، وقل من يلحقه فيها، فمن ذلك قوله من قصيدة أولها:
    جنيت جني الورد من ذلك الخد ... وعانقت غصن البان
     من ذلك القد فلما انتهى إلى مخلصها قال:
    لئن يوما بسمعي ملامة ... لهند فلا عفت الملامة في هند
    ولا وجدت عيني سبيلا إلى البكا ... ولا بت في أسر الصبابة والوجد
    وبحت بما ألقى ورحت مقابلا ... سماحة مجد الدين بالكفر والجحد
    وقوله من قصيدة أخرى:
    فلا وجد سوى وجدي بليلى ... ولا مجد كمجد ابن الدوامي وقوله في أخرى:
    فأقسم أني أفي الصبابة واحد ... وأن كمال الدين في الجود واحد إلى غير ذلك.
    وكانت وفاته، على ماقاله ابن الجوزي في تاريخه، في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين، وقال غيره: سنة ثمانين وخمسمائة ببغداد، ودفن في باب أبرز محاذي التاجية، رحمه الله تعالى.
    والأبله: معروف فلا حاجة إلى ضبطه، وإنما قيل له أبله لأنه كان فيه طرف بله، وقيل لأنه كان في غاية الذكاء، وهو من أسماء الأضداد، كما قيل للأسود: كافور.
    وكان له ميل إلى بعض أبناء البغاددة، فعبر على باب داره فوجد خلوة، فكتب على الباب، قال العماد الكاتب: وأنشدنيهما:
    دارك يا بدر الدجى جنة ... بغيرها نفسي ما تلهو
    وقد روي في خبر أنه ... أكثر أهل الجنة البله 
    ولابن التعاويذي المذكور بعده فيه هجاء أفحش فيه، فأضربت عن ذكره مع أنها أبيات جيدة، والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق