الاثنين، 8 مايو 2017

ابن حيوس

    أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس بن محمد المرتضى بن محمد بن الهيثم بن عدي بن عثمان الغنوي الملقب مصطفى الدولة، الشاعر المشهور؛ كان يدعى بالأميرلأن أباه كان من أمراء العرب، وهو أحد الشعراء الشاميين المحسنين ومن فحولهم المجيدين، له ديوان شعر كبير. لقي جماعة من الملوك والأكابر ومدحهم وأخذ جوائزهم، وكان منقطعا إلى بني مرداس أصحاب حلب - ذكر الجوهري في الصحاح في فصل ردس المرداس: حجر يرمى به في البئر ليعلم أفيها ماء أم لا، وبه سمي الرجل - وله فيهم القصائد الأنيقة.
    وقضيته مشهورة مع الأمير جلال الدولة وصمامها أبي المظفر نصر بن محمود بن سبل الدولة نصر صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب، فإنه كان قد مدح أباه محمود بن نصر فأجازه ألف دينار، فلما مات وقام مقامه ولده نصر  المذكور قصده ابن حيوس المذكور بقصيدته الرائية يمدحه بها ويعزيه عن أبيه، وهي  :
    كفى الدين عزا ماقضاه لك الدهر ... فمن كان ذا نذر فقد وجب النذر ومنها:
    ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت ماذب عن ناظر شفر
    يقينك والتقوى، وجودك والغنى، ... ولفظك والمعنى وعزمك والنصر
    يذكر فيها وفاة أبيه وتوليته الأمر من بعده بقوله:
    صبرنا على حكم الزمان الذي سطا ... على أنه لولاك لم يكن الصبر
    غزانا ببؤس لا يماثلها الأسى ... تقارن نعمى لا يقوم بها الشكر ومنها:
    تباعدت عنكم حرفة لا زهادة ... وسرت إليكم حين مسني الضر
    فلاقيت ظل الأمن ماعنه حاجز ... يصد، وباب العز ما دونه ستر
    وطال مقامي في غسار جميلكم ... فدامت معاليكم ودام لي الأسر
    وأنجز لي رب السموات وعدة ال ... كريم بأن العسر يتبعه  اليسر
    فجاد ابن نصر لي بألف تصرمت ... وإني عليم أن سيحلفه نصر
    لقد كنت مأمورا ترجى لمثلها ... فكيف وطوعا أمرك النهي والأمر
    وما بي إلى الإلحاح والحرص حاجة ... وقد عرف المبتاع وانفصل السعر
    واني بآمالي لديك مخيم ... وكم في الورى ثاو وآماله سفر
    وعندك ما أبغي بقولي تصنعا ... بأيسر ما توليه يستبعد الحر فلما فرغ من إنشادها قال الأمير نصر: والله لوقال عوض قولهسيحلفها نصر: سيضعفها نصر، لأضعفتها له، وأعطاه ألف دينار في طبق فضة.
    وكان قد اجتمع على باب الأمير نصر المذكور جماعة من الشعراء، وامتدحوه وتأخرت صلته عنهم، ونزل بعد ذلك الأمير نصر إلى دار بولص النصراني، وكانت له عادة بغشيان منزله، وعقد مجلس الأنس عنده، فجاءت الشعراء الذين تأخرت جوائزهم إلى باب بولص، وفيهم أبو الحسن  أحمد بن محمد بن الدويدة المعري الشاعر المعروف ، فكتبوا ورقة فيها أبيات اتفقوا على نظمها، وقيل بل نظمها ابن الدويدة المذكور، وسيروا الورقة إليه، والأبيات المذكورة هي:
    على بابك المحروس منا عصابة ... مفاليس فانظر في أمور المفاليس
    وقد قنعت منك الجماعة كلها ... بعشر الذي أعطيته لابن حيوس
    وما بيننا هذا التفاوت كله ... ولكن سعيد لايقاس بمنحوس
    فلما وقف عليه الأمير نصر اطلق لهم مائة دينار، فقال: والله لو قالوا بمثل الذي أعطيته لابن حيوس لأعطيتهم مثله.
    وذكر العماد في الخريدة أن هذه الأبيات لأبي سالم عبد الله بن أبي الحسن  أحمد بن محمد بن الدويدة وأنه كان يعرف بالقاق ، والله أعلم.
     وكان الأمير نصر سخيا واسع العطاء، ملك حلب بعد وفاة أبيه محمود في سنة سبع وستين وأربعمائة، ولم تطل مدته حتى ثار عليه جماعة من جنده فقتلوه في ثاني شوال سنة ثمان وستين وأربعمائة - وقد ذكر جد أبيه صالح بن مرداس في حرف الصاد  -.
    وقدم ابن حيوس حلب في شوال سنة اربع وستين وأربعمائة، وداره بها هي الدار المعروفة الآن بالأمير علم الدين سليمان بن حيدر.
    ومن محاسن شعر ابن حيوس القصيدة اللامية التي مدح بها أبا الفضائل سابق ابن محمود وهو أخو الأمير نصر المذكور، ومن مديحها قوله :
    طالما قلت للمسائل عنكم ... واعتمادي هداية الضلال
    إن ترد علم حالهم عن يقين ... فالقهم في مكارم أو نزال
    تلق بيض الأعراض سود مثار النقع خضر الأكناف حمر النصال
     ... وما أحسن هذا التقسيم الذي اتفق له، وقد ألم فيه بقول أبي سعيد محمد بن محمد بن الحسين الرستمي الشاعر المشهور من جملة قصيدة يمدح بها الصاحب بن عباد - المقدم ذكره في حرف الهمزة  - وهي من فاخر الشعر، وذلك قوله:
    من النفر العالين في السلم والوغى ... وأهل المعالي والعوالي وآلها
    إذا نزلوا اخضر الثرى من نزولهم ... وإن نازلوا احمر القنا من نزالها
    هذا والله الشعر الخالص الذي لايشوبه شيء من الحشو.
    وكان ابن حيوس المذكور قد أثرى وحصلت له نعمة ضخمة من بني مرداس، فبنى دارا بمدينة حلب وكتب على بابها من شعره :
    دار بنيناها وعشنا بها ... في نعمة من آل مرداس
    قوم نفوا بؤسي ولم يتركوا ... على للأيام من باس
    قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليصنع الناس مع الناس
    وقيل: إن هذه الأبيات للأمير الجليل أبي الفتح الحسن بن عبد الله بن عبد الجبار، المعروف بابن أبي حصينة الحلبي، وهو الصحيح .
    ومن غرر قصائده السائرة قوله :
    هو ذلك ربع المالكية فاربع ... واسأل مصيفا عافيا عن مربع
    واستق للدمن الخوالي بالحمى ... غر السحائب واعتذر عن أدمعي
    فلقد فنين أمام دان هاجر ... في قربه، ووراء ناء مزمع
    لو يخبر الركبان عني حدثوا ... عن مقلة عبرى وقلب موجع
    ردي لنا زمن الكثيب فإنه ... زمن متى يرجع وصالك يرجع
    لو كنت عالمة بأدنى لوعتي ... لرددت أقصى نيلك المسترجع
    بل لو قنعت من الغرام بمظهر ... عن مضمر بين الحشى والأضلع
    أعتبت إثر تعتب، ووصلت غب تجنب، وبذلت بعد تمنع ...
    ولو أنني أنصفت نفسي صنتها ... عن أن اكون كطالب لم ينجح ومنها:
    إني دعوت ندى الكرام فلم يجب ... فلأشكرن ندى أجاب وما دعي
    ومن العجائب، والعجائب جمة، ... شكر بطيء عن ندى متسرع ومن شعره أيضا  :
    قفوا في القلى حيث انتهيتم تذمما ... ولا تقتفوا من جار لما تحكما
    أرى كل معوج المودة يصطفى ... لديكم ويلقى حتفه من تقوما
    فإن كنتم لم تعدلوا إذ حكمتم ... فلا تعدلوا عن مذهب قد تقدما
    حنى الناس من قبل القسي لتقنى ... وثقف منآد القنا ليقوما
    وما ظلم الشيب الملم بلمتي ... وإن بزني حظي من الظلم واللمى
    ومحجوبة عزت وعز نظيرها ... وإن أشبهت في الحسن والعفة والدمى
    أعنف فيها صبوة قط ما ارعوت ... وأسأل عنها معلما ما تكلما
    سلي عنه تخبر عن يقين  دموعه ... ولا تسألي عن قلبه أين يمما
    فقد كان لي عونا على الصبر برهة ... وفارقني أيام فارقتم الحمى
    فراق قضى أن لا تأسي بعد أن ... مضى منجدا صبري وأوغلت متهما
    وفجعة بين مثل صرعة مالك ... ويقبح بي أن لا أكون منكما
    خليلي إن لم تسعداني على الأسى ... فلا  أنتما مني ولا انا منكما
    وحسنتما لي سلوة وتناسيا ... ولم تذكرا كيف السبيل إليهما
    سقى الله أيام الصبا كل هاطل ... ملث إذا ماالغيث أثجم أنجما
    وعيشا سرقناه برغم رقيبنا ... وقد مل من طول السهاد فهو ما وهي طويلة .
    وحكى الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: أنشدنا أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي من حفظه سنة سبع وخمسمائة قال: أخذ الأمير أبو الفتيان بن حيوس بيدي ونحن بحلب وقال: اروعني هذا البيت وهو في شرف الدولة مسلم بن قريش:
    أنت الذي نفق الثناء بسوقه ... وجرى الندى بعروقه قبل الدم
    وهذا البيت في غاية المدح؛ وقد تقدم في ترجمة أبي بكر بن الصائغ الأندلسي ذكر الأبيات النونية، وكونها منسوبة إليه، وهي موجودة في ديوان ابن حيوس المذكور، والله اعلم بجلية الحال فيها.
    وكان أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الخياط الشاعر - المقدم ذكره - قد وصل إلى حلب في بعض شهور  سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وبها يؤمئذ أبو الفتيان المذكور فكتب إليه ابن الخياط المذكور قوله:
    لم يبق عندي ما يباع بدرهم ... وكفاك مني منظري عن مخبري
    إلا بقية ماء وجه صنتها ... عن أن تباع وأين أين المشتري 
     فقال: لو قال " وأنت نعم المشتري " لكان أحسن.
    وكانت ولادة ابن حيوس يوم السبت سلخ صفر سنة أربع وتسعين وثلثمائة بدمشق، وتوفي في شعبان سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بحلب. وهو شيخ أبي عبد الله أحمد بن محمد المعروف بابن الخياط الشاعر المشهور وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته.
    وحيوسك بالحاء المهملة المفتوحة والياء المشددة المثناة من تحتها المضمومة والواو الساكنة وبعدها سين مهملة.
    وفي شعراء المغاربة ابن حبوس مثل الأول، ولكن بالباء الموحدة المخففة، وإنما ذكرته لئلا  يتصحف على كثير من الناس بابن حيوس. ورأيت خلقا كثيرا يتوهمون  أن المغربي يقال له ابن حيوس ايضا، وهو غلط، والصواب ما ذكرته، والله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق