السبت، 6 مايو 2017

ابن حمدون

    أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد بن علي بن حمدون الكاتب الملقب كافي الكفاة بهاء الدين البغدادي؛ كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة، من بيت مشهور بالرياسة والفضل هو وأبوه وأخواه أبو نصر وأبو المظفر، وسمع أبو المعالي المذكور من أبي القاسم إسماعيل بن الفضل الجرجاني وغيره، وصنف كتاب التذكرة وهو من أحسن المجاميع، يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله، وهو مشهور بأيدي الناس كثير الوجود، وهو من الكتب الممتعة.
    ذكر العماد الأصبهاني الكاتب في كتاب الخريدة فقال: كان عارض العسكر المقتفوي، ثم صار صاحب ديوان الزمام المستنجدي، وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد، وفيه فضل ونبل وله على أهل الأدب ظل، وألف كتابا سماهالتذكرة وجمع فيه الغث والسمين والمعرفة والنكرة، فوقف افمام المستنجد على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ توهم في الدولة غضاضة، ويعتقد للتعرض بالقدح فيها عراضة، فأخذ من دست منصبه وحبس، ولم يزل في نصبه إلى أن رمس، وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وأنشدني لنفسه لغزا في مروحة الخيش:
    ومرسلة معقودة دون قصدها ... مقيدة تجري حبيس طليقها
    يمر خفيف  الريح وهي مقيمة ... وتسري وقد سدت عليها طريقها
    لها من سليمان النبي وراثة ... وقد عزيت نحو النبيط عروقها
    إذا صدق النوء السماكي  أمحلت ... وتمطر والجوزاء ذاك  حريقها
    تحيتها إحدى الطبائع انها ... لذلك كانت كل روح صديقها
     وأورد له أيضا:
    وحاشا معاليك أن تستزاد ... وحاشا نوالك أن يقتضى
    ولكنما أستزيد الحظوظ ... وإن أمرتني النهى بالرضا وأورد له أيضا:
    يا خفيف الرأس والعقل معا ... وثقيل الروح أيضا والبدن
    تدعي أنك مثلي طيب ... طيب أنت ولكن بلبن انتهى كلام العماد. وقال غيره: إنه سمع الحديث كثيرا وروى عن الإمام المستنجد قول أبي حفص الشطرنجي في جارية حولاء:
    حمدت إلهي إذبليت بحبها ... على حول يغني عن النظر الشزر
    نظرت إليها والرقيب يخالني ... نظرت إليه فاسترحت من العذر
    ) وهذا من المعاني النادرة العجيبة [والأمام في هذا قول مهيار الديلمي يصف ناقة: هواها وراءها والسرى من أمامها ... فهن صحيحات النواظر حول]  وكانت ولادة ابن حمدون المذكور في رجب سنة خمس وتسعين وأربعمائة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ودفن يوم الأربعاء بمقابر قريش ببغداد، وكان موته في الحبس.
     وأخوه أبو نصر محمد بن الحسن الملقب غرس الدولة كان من العمال، وممن يعتقد في أهل الخير والصلاح ويرغب في صحبتهم، ولد في صفر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وتوفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعين وخمسمائة ببغداد، ودفن بمقابر قريش.
     وكان والدهما من شيوخ الكتاب والعارفين بقواعد التصرف  والحساب وله تصنيف في معرفة  الأعمال، وعمر طويلا، وتوفي يوم السبت عاشر جمادى الأولى سنة ست وأربعين وخمسمائة  ، رحمهم الله تعالى أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق