السبت، 6 مايو 2017

القزاز

    أبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي النحوي المعروف بالقزاز القيرواني؛ كان الغالب عليه علم النحو واللغة والافتتان في التواليف ، فمن ذلك كتاب الجامع في اللغة، وهو من الكتب الكبار المختارة المشهورة.
    وذكر أبو القاسم ابن الصيرفي الكاتب المصري أن أبا عبد الله القزاز المذكور 
    كان في خدمة العزيز ابن المعز العبيدي صاحب مصر وصنف له كتبا. وقال غيره  : كان العزيز بنه المعز العبيدي صاحب مصر قد تقدم إليه أن يؤلف كتابا يجمع فيه سائر الحروف التي ذكر النحويون أن الكلام كله اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، وأن يقصد في تأليفه إلى ذكر الحرف الذي جاء لمعنى، وأن يجري ما ألفه من ذلك على حروف المعجم؛ قال ابن الجزارك وما علمت أن نحويا ألف شيئا من النحو على هذا التأليف، فسارع أبو عبد الله القزاز إلى ماأمره العزيز به، وجمع المفترق من الكتب النفيسة في هذا المعنى على أقصد سبيل وأقرب مأخذ وأوضح طريق، فبلغ جملة الكتاب ألف ورقة، ذكر ذلك كله الأمير المختار المعروف بالمسبحي في تاريخه الكبير. وله كتاب التعريض ذكر فيه مادار بين الناس من المعاريض في كلامهم.
    وقال أبو علي الحسن بن رشيق في كتاب " الأنموذج " : إن القزاز المذكور فضح المتقدمين وقطع ألسنة المتأخرين، وكان مهيبا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس محبوبا عند العامة، قليل الخوض إلا في علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكا شديدا. وكان له شعر مطبوع مصنوع ربما جاء به مفاكهة وممالحة من غير تحفز ولا تحفل، يبلغ بالرفق والدعة على الرحب والسعة أقصى ما يحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعاني وتوكيد المباني، علما بتفاصيل الكلام وفواصل النظام، فمن ذلك قوله:
    أما ومحل حبك في فؤادي ... وقدر مكانه فيه المكين
    لو انبسطت لي الآمال حتى ... تصير من عنانك في يميني
    لصنتك في مكان سواد عيني ... وخطت عليك من حذر جفوني
    فأبلغ منك غايات الأماني ... وآمن فيك آفات الظنون
    فلي نفس تجرع كل يوم ... عليك بهن كاسات المنون
    إذا أمنت قلوب الناس خافت ... عليك خفي الحاظ العيون
    فكيف وأنت دنياي ولولا ... عقاب الله فيك لقلت ديني 
    ومن شعره أيضا:
    أضمروا لي ودا ولا تظهروه ... يهده منكم إلي الضمير
    ما أبالي إذا بلغت رضاكم ... في هواكم لأي حال أصير 
    وله أيضا:
    ألا من لركب فرق الدهر شملهم ... فمن منجد نائي المحل متهم
    كأن الردى خاف الردى في اجتماعهم ... فقسمهم في الأرض كل مقسم 
    وله أيضا:
    ولنا من أبي الربيع ربيع ... ترتعيه هوامل الآمال
    أبدا يذكر العدات وينسى ... ماله عندنا من الإفضال وله أيضا:
    أحين علمت أنك نور عيني ... وأني لا أرى حتى أراكا
    جعلت كغيب شخصك عن عياني ... يغيب كل مخلوق سواكا
    وذكر له مقاطيع مثيرة غير هذه، ثم قال: وشعر أبي عبد الله - يعني القزاز المذكور - أحسن مما ذكرت، لكني لم أتمكن من روايته، وقد شرطت في هذا الكتاب أن كل ماجئت به من الأشعار على غير جهة الاختيار.
    وكانت وفاته بالحضرة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وقد قارب السبعين، رحمه الله تعالى؛ والمراد بالحضرة القيروان، فإنها كانت دار المملكة يوم ذاك.
    والقزاز: بفتح القاف وزايين بينهما ألف والأولى منهما مشدودة، هذه النسبة إلى عمل القز وبيعه، وقد اشتهر به جماعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق