الخميس، 4 مايو 2017

ابن الأعرابي

    أبو عبد الله محمد بن زياد، المعروف بابن الأعرابي الكوفي صاحب اللغة؛ وهو من موالي بني هاشم، فإنه مولى العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنه، وكان أبوه زياد عبدا سنديا، وقيل إنه من موالي بني شيبان، وقيل غير ذلك، والأول أصح، وكان أحول، راوية لأشعار القبائل ناسبا، وكان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها، يقال لم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، وهو ربيب المفضل بن محمد الضبي صاحب المفضلياتكانت امه تحته. وأخذ الأدب عن أبي معاوية الضرير والمفضل الضبي والقاسم بن معن ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الذي ولاه المهدي القضاء، والكسائي، وأخذ عنه إبراهيم الحربي وأبو العباس
    ثعلب وابن السكيت وغيرهم. وناقش العلماء واستدرك عليهم وخطأ كثيرا من نقلة اللغة، وكان رأسا في كلام العرب، وكان يزعم أن أبا عبيدة والأصمعي لايحسنان شيئا، وكان يقول: جائز في كلام العرب ان يعاقبوا بين الضاد والظاء، فلا يخطئ من يجعل هذه في موضع هذه، وينشد:
    إلى الله أشكو من خليل أوده ... ثلاث خلال كلها لي غائض بالضاد، ويقول: هكذا سمعته من فصحاء العرب.
    وكان يحضر مجلسه خلق كثير من المستفيدين ويملي عليهم؛ قال أبو العباس ثعلب: شاهدت مجلس ابن الأعرابي، وكان يحضره زهاء مائة إنسان، وكان يسأل ويقرأ عليه فيجيب من غير كتاب، ولزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتابا قط، ولقد أملى على الناس مايحمل على أجمال، ولم ير أحد في علم الشعر أغزر منه  . ورأى في مجلسه رجلين يتحادثان، فقال لأحدهما: من أين أنت فقال: من إسبيجاب، وقال للآخر: من أين أنت فقال: من الأندلس، فعجب من ذلك وأنشد:
    رفيقان شتى ألف الدهر بيننا ... وقد يلتقي الشتى فيأتلفان 
    ثم أملى على من حضر مجلسه بقية الأبيات وهي:
    نزلنا على قيسية يمينية ... لها نسب في الصالحين هجان
    فقالت وأرخت جانب الستر بيننا ... لأية أرض أم من الرجلان
    فقلت لها: أما رفيقي فقومه ... تميم، وأما أسرتي فيماني
    رفيقان شتى ألف الدهر بيننا ... وقد يلتقي الشتى فيأتلفان
    ومن أماليه ما رواه أبو العباس ثعلب قال: أنشدنا ابن الأعرابي محمد بن زياد المذكور:
    سقىالله حيا دون بطنان دارهم ... وبورك في مرد هناك وشيب
    وإني وإياهم على بعد دارهم ... كخمر بماء في الزجاج مشوب
    ومن تصانيفه كتاب النوادر وهو كبير، وكتاب الأنواء وكتاب صفة النخل وكتاب صفة الزرع وكتاب النبات وكتاب الخيل وكتاب تاريخ القبائل وكتاب معاني الشعر وكتاب تفسير الأمثال وكتاب الألفاظ وكتاب نسب الخيل وكتاب نوادر الزبيرين وكتاب نوادر بني فقعس وكتاب الذباب وغير ذلك، وأخباره ونوادره وأماليه كثيرة.
    وقال ثعلب: سمعت ابن الأعرابي يقول: ولدت في الليلة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، وذلك في رجب سنة خمسين ومائة على الصحيح.
    وتوفي لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان [وقال الطبري في تاريخه: توفي يوم الأربعاء ثالث عشر الشهر المذكور]  سنة إحدى وثلاثين ومائتين بسر من رأى، وقيل سنة ثلاثين ومائتين، والأول أصح، وصلى عليه القاضي أحمد بن أبي داود الإيادي - المقدم ذكره.
    والأعرابي: بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وفتح الراء وبعد الألف باء موحدة، هذه النسبة إلى الأعراب، قال أبو بكر بن عزيز السجستاني المعروف بالعزيزي في كتابه الذي فسر فيه غريب القرآن الكريم: يقال رجل أعجم وأعجمي أيضا إذا كان في لسانه عجمة، وإن كان من العرب ورجل عجمي منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا، ورجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب، ورجل أعرابي إذا كان بدويا وإن لم يكن من العرب، ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا.
    وإسبيجاب: بكسر الهمزة وسكون السين المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الجيم وبعد الألف باء موحدة، وهي مدينة من اقصى بلاد الشرق، وأظنها من إقليم الصين أو قريبة منه. وبطنان: بضم الباء الموحدة وسكون الطاء المهملة وبين النونين ألف، وهو جمع بطن، وهو الغامض من الأرض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق