السبت، 13 مايو 2017

الخالدي المعروف بابن القيسراني الشاعر

    أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير بن داغر بن محمد بن خالد بن نصر بن داغر بن عبد الرحمن بن المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، الخالدي الحلبي الملقب شرف المعالي عدة الدين، المعروف بابن القيسراني، هكذا أملى علي نسبه بعض حفدته، الشاعر المشهور؛ من الشعراء المجيدين والأدباء المتفنين (2) ، قرأ الأدب على توفيق بن محمد وأبي عبد الله ابن الخياط الشاعر - المقدم ذكره  - وكان فاضلا في الأدب وعلم الهيئة، سمع بحلب من الخطيب أبي طاهر هاشم بن أحمد الحلبي وغيره، وسمع منه الحافظان أبو القاسم ابن عساكر وأبو سعد ابن السمعاني  ، وذكراه في كتابيهما، وكذلك ابو المعالي الحظيري، وذكره في كتاب " الملح " (5) أيضا.
    وكان هو وابن منير - المذكور في حرف الهمزة  - شاعري الشام في ذلك العصر، وجرت بينهما وقائع وماجرايات وملح ونوادر، وكان ابن منير ينسب إلى التحامل على الصحابة، رضي الله عنهم، ويميل إلى التشيع، فكتب إليه ابن القيسراني المذكور وقد بلغه أنه هجاه:
    ابن منير هجوت مني ... حبرا أفاد الورى صوابه
    ولم تضيق بذاك صدري ... فإن لي أسوة الصحابة ومن محاسن شعره قوله:
    كم ليلة بت من كاسي وريقته ... نشوان أمزج سلسالا بسلسال
    وبات لا تحتمي عني مراشفه ... كأنما ثغره ثغر بلا والي
    وظفرت بديوانه وجميعه بخطبه وأنا يومئذ بمدينة حلب ونقلت منه أشياء فمن ذلك قوله في مدح خطيب:
    شرح المنبر صدرا ... لتلقيك رحيبا
    أترى ضم خطيبا ... منك أم ضمخ طيبا
    وهذا الجناس في غاية الحسن؛ ثم وجدت هذين البيتين لأبي القاسم ابن زيد ابن أبي الفتح أحمد بن عبيد بن فضل  الموازيني الحلبي المعروف أبوه بالماهر، وأن ابن القيسراني المذكور أنشدهما للخطيب ابن هاشم لما تولى خطابة حلب فنسيا إليه  ، ورأيت الأول على هذه الصورة، وهو:
    قد زها المنبر عجبا ... إذ ترقيت خطيبا وله في الغزل:
    بالسفح من لبنان لي ... قمر منازله القلوب
    حملت تحيته الشما ... ل فردها عني الجنوب
    فرد الصفات غريبها ... والحسن في الدنيا غريب
    لم أنس ليلة قال لي ... لما رأى جسدي يذوب
    بالله قل لي من أعل ... ك يافتى قلت: الطبيب
    وله أيضا  :
    وقالوا لاح عارضه ... وما ولت ولايته
    فقلت عذار من أهوى ... أماراته إمارته
    ومن معانيه البديعة قوله من جملة قصيدته رائقة :
    هذا الذي سلب العشاق نومهم ... أما ترى عينيه ملأى من الوسن
    وهذا البيت ينظر إلى قول المتنبي في مدح سيف الدولة بن حمدان:
    نهبت من الأعمار ما لو حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد
     وكان كثير الإعجاب بقوله من جملة قصيدة:
    وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا ... ألست ترى في وجهه أثر الترب وحضر مرة في سماع وكان المغني حسن الغناء، فلما طربت الجماعة وتواجدت عمل :
    والله لو أنصفت العشاق انفسهم ... فدوك منها بما عزوا وما صانوا
    ما أنت حين تغني في مجالسهم ... إلا نسيم الصبا والقوم أغصان
    وأنشدني صاحبنا الفخر إسحاق بن المختص الإربلي لنفسه دوبيت، وأخبرني أنه كان في سماع وفيه جماعة من أرباب القلوب، فلما طابت  الجماعة كان هناك فرش منضود على كراسي فتساقطت، قال: فعملت في الحال:
    داعي النغمات حلقة الشوق طرق ... وهنا فأجابته شجون وحرق لو أسمع صخرة لخرت طربا ... من نغمته فكيف قطن وخرق وكانت ولادة ابن القيسراني المذكور سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعكا. وتوفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة من شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمدينة دمشق، ودفن بمقبرة باب الفراديس، رحمه الله تعالى.
    والخالدي: بفتح الخاء المعجمة وبعد الألف لام ثم دال مهملة، هذه النسبة إلى خالد بن الوليد المخزومي، رضي الله عنه؛ هكذا يزعم أهل بيته، وأكثر المؤرخين وعلماء الأنساب يقولون: إن خالدا رضي الله عنه، لم يتصل نسبه بل انقطع منذ زمان، والله أعلم.
    والقيسراني: بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح السين المهملة والراء وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى قيسارية، وهي بليدة بالشام على ساحل البحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق