الخميس، 4 مايو 2017

أبو عبد الله اليزيدي

    أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد اليزيدي النحوي - وسيأتي ذكر جده أبي محمد يحيى بن المبارك العدوي اليزيدي إن شاء الله تعالى -؛ كان محمد المذكور إماما في النحو والأدب ونقل النوادر وكلام العرب. ومما رواه أن أعرابيا هوي أعرابية فأهدى إليها ثلاثين شاة وزقا من خمر مع عبد له أسود فأخذ العبد شاة في الطريق فذبحها وأكل منها وشرب بعض الزق، فلما جاءها بالباقي عرفت أنه خانها في الهدية، فلما عزم على الانصراف سألها: هل لك من حاجة فأرادت إعلام سيده بما فعله في الطريق فقالت له: اقرأعليه السلام وقل له: إن الشهر كان عندنا محاقا، وإن سحيما راعي غنمنا جاء مرثوما، فلم يعلم العبد ما أرادت بهذه الكناية، فلما عاد إلى مولاه أخبره برسالتها ففطن لما أرادته، فدعا له بالهراوة وقال: لتصدقني وإلا ضربتك بهذه ضربا مبرحا، فأخبره الخبر، فعفا عنه، وهذه من لطائف الكنايات وأحلى الإشارات.
    [وروى أبو محمد ابن قتيبة في هذا المعنى عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: حدثني شيخ من بني العنبر قال: أسرت بنو شيبان رجلا من العرب من بني العنبر، فقال لهم: أرسل إلي أهلي ليفدوني فقالوا: ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا، فجاءوه برسول فقال له: ايت قومي فقل لهم: إن الشجر قد أورق وإن النساء قد أشكت، قال له: أتعقل قال: نعم، قال: فما هذا وأشار بيده، فقال: هذا الليل، فقال: أراك تعقل، انطلق فقل لأهلي: عروا جملي الأصهب واركبوا ناقتي الحمراء واسألوا حارثة عن أمري؛ فأتاهم الرسول، فأرسلوا إلى حارثة فقص عليه الرسول القصة، فلما خلا معهم قال: أما قوله: ان الشجر قد أورق فإنه يريد أن القوم قد تسلحوا، وقوله: ان النساء قد شكت [أشكت أي] اتخذت الشكاء للغزو وهي أسقية، وقوله: هذا الليل، يريد يأتونكم مثل الليل، أو في الليل، وقوله: عروا جملي الأصهب، يريد ارتحلوا عن الصمان، وقوله: اركبوا ناقتي [الحمراء] يريد: اركبوا الدهناء. فلما قال لهم ذلك تحملوا من مكانهم، فلما أتاهم القوم لم يجدوا منهم أحدا.
    وحكي عن الأعرابي قال: أسرت طيء رجلا شابا من العرب، فقدم عليه أبوه وعمه ليفدياه، فاشتطوا عليهما في الفداء فأعطيا به عطية لم يرضوا بها، فقال أبوه: لا والذي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبل طيء لاأزيدكم على ما أعطيتكم. ثم انصرفا، فقال الأب للعم: لقد ألقيت إليه كلمة لئن كان فيه خير لينجون، فما لبث أن نجا وطرد قطعة من إبلهم فذهب بها، كأنه قال له: الزم الفرقدين على جبلي طيء فإنهما طالعان عليه ولا يغيبان عنه]  .
    والمرثوم: بفتح الميم وسكون الراء وضم الثاء المثلثة، المكسور الألف الملطخ بالدم، والرثم: البياض في جحفلة الفرس العليا، وهو في الزق مستعمل على سبيل الاستعارة.
    وله تصانيف، فمن ذلك كتاب " الخيل " وكتاب " مناقب بني العباس " وكتاب أخبار اليزيدين وله مختصر في النحو. وكان قد استدعي في آخر عمره إلى تعليم أولاد المقتدر بالله فلزمهم مدة، ولقيه بعض أصحابه بعد اتصاله بالخليفة فسأله أن يقرئه فقال: أنا في شغل عن ذلك .
     وتوفي أبو عبد الله المذكور ليلة الأحد أول الليل لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة عشر وثلثمائة، وعمره اثنتان وثمانون سنة وثلاثة أشهر، رحمه الله تعالى.
    واليزيدي:نسبة إلى يزيد بن منصور  - وسيأتي الكلام على ذلك في ترجمة جده أبي محمد يحيى بن المبارك، إن شاء الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق